لا نرى ما لا يمكننا وضع نماذج له

21:53 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي*

نادراً ما يمكن ملاحظة نقاط التحول، ارتفاع ضئيل، واجتماع قمة غير ملحوظ، التيارات التى كانت تستنفد في اتجاه واحد تتدفق نحو اتجاه آخر. وليسنحو تيار واحد فقط، ولكن نحو تيارات كثيرة، ويبدو أن تلك التيارات لم تكن مترابطة. ولكنها مع ذلك تتجمع مرة أخرى مكونة نهراً عظيماً. وفي الاقتصاد السياسي مثلت السبعينات نقطة تحول على نفس قدر أهمية التحول الذي حدث في الثلاثينات - وربما أكبر. ولكن لم يكن ذلك واضحاً آنذاك.

وقد مثلت الاضطرابات الاقتصادية العالمية التي وقعت في عقد السبعينات أزمة من نوع شديد الاختلاف عن الكساد الكبير– ارتفعت معدلات التضخم حيث أصبح يعبر عنها بعدد مكون من رقمين بدلاً من الركود، إلى جانب الهبوط النسبي، وليس اليأس. وفي الديمقراطيات الصناعية تزايد الإحساس بأنه لا يمكن السيطرة على الأمور. وبدا أن الاختلاف بين الشمال والجنوب أصبح ظاهراً ويزداد اتساعاً، ويئست دول العالم الثالث من اللحاق بركب التقدم. واستطاعت حفنة فقط من الدول أن تسيطر على أسرار النمو، وهي اليابان والنمور الآسيوية «تايوان وكوريا وهونج كونج وسنغافورة».

 كان هناك كثير من الأشياء التي تثير القلق في السبعينات - التضخم، والبطالة وندرة الموارد وتباطؤ الإنتاجية.. وكانت ذكرى الكساد الكبير تخبو في الوقت نفسه، فحالات الكساد منذ الحرب العالمية الثانية كانت أحداثاً خفيفة، ولم يعد العمل على منع الكساد مهمة شاقة. وأكثر المشاكل ضغطاً في الواقع هي المشكلة التي ظهرت في مولد الاقتصاد الحديث. لماذا كانت بعض الدول تنمو بصورة أسرع من الدول الأخرى؟ ولماذا تباطأت الدول الأخرى؟ وأصبح من الواضح فيما بعد أن، موضوع النمو قد حل بطريقة تدريجية محل التثبيت الاقتصادي كإحدى أهم المشاكل المعاصرة. وفي السبعينات كانت أسرع الدول نمواً هي اليابان. فكانت الهجمة اليابانية على صناعة السيارات الأمريكية واضحة. كيف يمكن تقويض ميزة صناعية عظيمة بتلك السرعة؟ كيف استطاعت تلك الدولة أن تحقق هذا المعدل من النمو الذي مثل ظاهرة؟ ما هي أسرار نجاحها؟ 

وجد بول كروجمان – حصل على جائزة نوبل فيما بعد - ذات يوم يستمع إلى رجل أعمال من كاليفورنيا وهو يصف مخاوفه لأن اليابان تستخدم سوقها الداخلية المحمية الضخمة كمجال للتدريب تعمل من خلاله على التحضير لهزيمة الأسواق العالمية. كان ذلك في عام، أولاً كانت الكاميرات والدراجات البخارية، ثم أستطاع الصناع اليابانيون أن يسيطروا على سوق السيارات. وكانت أجهزة التلفاز والفيديو والصناعات الإلكترونية الأمريكية الأخرى تحت الحصار، واستطاع العاملون في تطوير الصناعة من كاليفورنيا أن يدركوا أن أشباه الموصلات conductors -Semi وهي اختراع أمريكي تم التوصل إليه منذ عشرين عاماً، أو أكثر، سوف يصبح الهدف الكبير القادم لليابانيين. 

كانت الآلية نفسها تستخدم في كل حالة. وسيكون هناك استثمار من النوع الثقيل في أحدث العمليات الصناعية. وإدارات مطولة للإنتاج في السوق المحلية لتغطية التكاليف الثابتة. وبتحسن التقنيات الصناعية، سيتم استهداف الأسواق التصديرية، بأسعار مخفضة تدريجياً عن أسعار أسواق ما وراء البحار. بينما كان كروجمان في ذلك اليوم الذي كان يستمع فيه إلى رجل الأعمال من كاليفورنيا يستعيد في ذاكرته رؤية التجارة الدولية التى تعلمها. والتي تقوم على وجود نمط طبيعي للتخصص بين الدول، وبناء على الاختلافات القومية في الموارد الطبيعية. ويمكن الاعتماد على القوى التلقائية للمنافسة الكاملة وثبات العوائد للحجم لتحقيق الترتيبات الصحيحة بين الدول. فتصدر إنجلترا الصوف، وأمريكا الأخشاب، وهكذا. وستعوض التجارة بين الدول التوزيع غير المتساوي للموارد الإنتاجية - للأرض والأفراد على حد سواء - وتنتشر التنمية بشكل متساو في جميع أنحاء العالم. ستكون هناك حالات عرضية من الخروج عن القاعدة، وفقاً لمفهوم كروجمان سيتم التعامل معها كالعادة. كأفكار ثانوية. واعتقد كروجمان أن رجل الأعمال على ما يبدو لا يفهم مبدأ المزايا النسبية، كما أنه لا يشارك الاقتصاديين في رؤيتهم «للتماثل الساكن» للعالم والاقتناع بأن قوى سوق السيارات ستعيد لا محالة النمط الطبيعي للتجارة والتخصص. ولكن كان لديه فقط اقتناع قوي بأن خصائص العالم الذي يعمل فيه كانت شديدة الاختلاف عن المذاهب الاقتصادية التي تعلمها كروجمان وآخرون. وكان ل«كروجمان» القدرة على التوصل إلى مجموعة واسعة من الأدوات الفكرية الحديثة. وبدأ بحل الصعوبات. وبعض المنتجات في النموذج السائد كانت ستصبح منتجات الملكي».

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"