العقوبات الاقتصادية في التجارة الدولية

21:44 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *

تستند الولايات المتحدة في فرضها للعقوبات الاقتصادية على ثغرة قانونية تم «دسها» (كقرش أبيض لليوم الأسود)، في الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة «جات» لعام 1947، والتي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حزمة اتفاقيات وقواعد منظمة التجارة العالمية، وهي المادة 21/ب/3 (Article XXI, b, iii). فهذه المادة مصاغة بطريقة مطاطية ومبهمة تقصداً؛ وتتعلق بحق الدول الأعضاء، في حالة استثنائية تتعلق بالأمن القومي، اللجوء للعقوبات لحماية أمنها القومي.

كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد فرض ضرائب جمركية على صادرات الصين وكند والاتحاد الأوروبي من الصلب والألمنيوم، استنادا لما يسمى قانون التوسع التجاري الأمريكي لعام 1962 «Trade Expansion Act»، فكان أن رفع بعض الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، مثل الصين وكندا والاتحاد الأوروبي، دعاوى ضد الولايات المتحدة لدى جهاز تسوية وفض المنازعات في المنظمة، حيث دفع الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، بأن قيام الولايات المتحدة بفرض ضرائب على منتجات دول بعينها واعفاء دول أخرى من هذه التدابير، يتعارض مع التزاماتها تجاه اتفاقيات المنظمة، ومنها الأحكام الواردة في الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة «جات»، والاتفاقية التأسيسية لمنظمة التجارة العالمية التي تحكم التجارة الدولية في السلع. ولم تنتظر الدول المعترضة، نتيجة إجراءات تسوية النزاع، فقامت باتخاذ إجراءات انتقامية، ردت عليها الولايات المتحدة بإجراءات مضادة.

ينص الجزء ذو الصلة، في المادة الحادية والعشرين لاتفاقية «جات» الذي استثنى الأمن القومي، على ما يلي: «لا يجوز تفسير أي شيء في هذه الاتفاقية....(ب) لمنع أي بلد عضو من اتخاذ أي اجراء يراه ضرورياً لحماية مصالحه الأمنية الأساسية». وكما هو واضح، فقد تعمد أولئك الذي صاغوا هذه المادة، بأن يكون الاستثناء واسعا.

وهو ما أقر به لاحقا أحد الأمريكيين الذين شاركوا في وضع المادة، حيث أوضح بأن «القصد من الاستثناء لم يكن جعله واسع النطاق بحيث ترتديه الدول تحت غطاء الأمن القومي لتحقق لنفسها أغراضا تجارية خالصة»، ما يعني وجود تقييدات ضمنية في نص المادة تمنع استغلالها. مثل هذا التقييد متوفر في المادة التي سبقتها (المادة 20 من اتفاقية الجات)، التي تعطى الحق لأعضاء منظمة التجارة العالمية، لاتخاذ تدابير لتقييد التجارة حفاظا على مواردها الطبيعية القابلة للاستنفاد.

ربما لهذا صار يُنظر الى منظمة التجارة العالمية على أنها منظمة تفتقر للكفاءة في طرح ومناقشة مسائل تجارية يتم ربطها قسراً وقصداً بمسائل الأمن القومي، فيما خص تحديداً العقوبات أحادية الجانب من حيث فرضها قيود اقتصادية هي على تضاد مع قواعد المنظمة لتحرير التجارة العالمية من القيود الكمية وغير الكمية.

لذلك، قد يكون الاتحاد الأوروبي، من دون أن يقصد، قد فتح الباب، لأول مرة، لوضع العقوبات الاقتصادية، على جدول أعمال منظمة التجارة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة التي تتخذ حتى الآن موقفا سلبيا متفرجا من حزم العقوبات الاقتصادية التي أدمنتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في العلاقات الاقتصادية الدولية، ما جعل جهود عشرات السنين لتطوير وتوسيع إطار تحرير التجارة العالمية من صيغة الاتفاقية (الاتفاقية العامة للتجارة والتعرفة الجمركية – جات) الى منظمة قائمة بذاتها مسؤولة حصريا عن الاشراف على نظام التجارة الدولية في السلع والخدمات وحقوق الملكية الفكرية.

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"