الأوروبيون.. ووهم استعمار إفريقيا

00:39 صباحا
قراءة 3 دقائق

كمال بالهادي

في كتابه الموسوم ب«أوروبا والتخلف في إفريقيا»، يعتقد والتر رودني أنّ محاولة فهم واقع التخلف في إفريقيا لا يمكن أن تتمّ من دون أن يضع الباحث في الاعتبار تلك القرون الخمسة التي بدأت منذ القرن الخامس عشر، إلى حدود منتصف القرن العشرين حين تخلصت أغلب الدول الإفريقية من الاستعمار الأوروبي.

 لكن مشكلة إفريقيا لم تنته مع اندحار الظاهرة الاستعمارية الأوروبية، بل إنها تواصلت إلى يومنا هذا جراء رغبة الأوروبيين وهم الشعوب الوحيدة التي استعمرت القارة السمراء في الهيمنة على مواردها وبسط نفوذها ومنع تحرر القارة التي تمتلك موارد قد تجعل منها أغنى قارة في العالم.

 القمة الأوروبية  الإفريقية التي عقدت في بروكسل، وبالرغم من الملفات الحارقة التي كانت على طاولة المفاوضات، كرّست من حيث الشكل تلك النزعة التي تريد من خلالها أوروبا إثبات سيادتها المطلقة على القارة. فمعظم القمم الإفريقية تحتضنها أوروبا ويقع استدعاء الزعماء الأفارقة، وكأنهم ولاة أسيادهم ليقدموا تقارير عن مصالح الإمبراطورية العظمى. المسألة الشكلية الثانية هو ما تلا القمة من نشر لبعض التغريدات التي فيها إهانة واضحة لبعض القادة الأفارقة الذين طالبوا الأوروبيين بعلاقات متوازنة. فرئيسة البرلمان الأوروبي نشرت صورة مهينة للقائها بالرئيس التونسي قيس سعيّد، ثم اضطرت لحذفها بعد احتجاجات شعبية تونسية ورسمية، وتعويضها بصورة أخرى.

وفي ذات اليوم نشر سفير الاتحاد الأوروبي ماركوس كورنارو، صورة له برفقة رئيس الجمهورية قيس سعيّد في القمة. وعلّق كورنارو على الصورة في حسابه بموقع تويتر قائلاً: «لكي نذهب بعيداً علينا أن نذهب سوياً». ويعني هذا أنّ لا مستقبل لتونس ولإفريقيا خارج الإطار الأوروبي.

 هذه النظرة الاستعلائية، أو لنقل اللاوعي الاستعماري لقادة أوروبا في القرن الحادي والعشرين تجاه القارة السمراء، يأتي في وقت تثبت فيه كل مراكز الدراسات الاستراتيجية، أنّ إفريقيا قد اتجهت شرقاً نحو الصين حيث ارتبطت دول القارة بمشروع الطريق والحزام، واستفادت أيّما استفادة من علاقات الشراكة مع الصين، وبدأت بعض الدول التي ظلت لقرون تحت سيطرة أوروبا دون أن تحقق أي تقدم أو ازدهار، في تحقيق نسب نموّ ذات رقمين، وذلك بشهادة مؤسسات التمويل الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد.

 القمة الإفريقية  الأوروبية التي عقدت مؤخراً، لم تخرج بقرارات مهمة باستثناء منح بعض الدول تأشيرة تصنيع لقاحات كورونا. وكأن المطلب من هذه القمة هو تذكير زعماء إفريقيا بواجباتهم المفروضة عليهم وهي تحمل أعباء ملفات مثل الهجرة غير الشرعية وأمن الضفة الجنوبية لأوروبا وضمان استمرار الحضور الأوروبي في القارة التي تتدافع القوى العظمى مجدداً على التنافس عليها.

 ويبدو أن الأوروبيين لم يفهموا إلى الآن أن العلاقات الدولية تنقلب انقلاباً سريعاً وأنّ شعوب القرن الحادي والعشرين لم تعد تلك الشعوب التي يمكن استغلالها أو استعمارها مجدداً. فالخلافات الجزائرية  الفرنسية التي ظهرت في الأشهر الماضية، ومنعت من خلالها الجزائر الطيران الفرنسي من عبور أجواء الجزائر، وتأزم العلاقات بين فرنسا ومالي، الدولة الإفريقية الفقيرة وطرد السفير الفرنسي، يثبت أن هناك متغيرات جذرية تصبو من خلالها شعوب إفريقيا إلى التحرر من ربق الاستعمار الأوروبي المباشر وغير المباشر، خاصة في ظل وجود البدائل الاستثمارية والأمنية وحتى العسكرية التي تؤمن لهذه الدول التنمية والتقدم.

 إن الحديث عن الشراكات والاستثمار الخارجي (الأوروبي) في إفريقيا، هو عمليات تمويه عن الحقائق الصادمة التي تكشفت بعد عقود من هذه الشراكات. إذ يقول والتر رودني «إن الاستثمار الأجنبي لم يساعد على تقويض اقتصادياتنا فحسب باستخراجه أرباحاً باهظة بل أحدث تدميراً خطيراً لتلك الاقتصاديات بحرفه إلى اقتصاديات أحادية الجانب، وإذا لم يتمّ كبح جماح هذه العملية في الوقت المناسب فإنّ التشوه قد يصبح دائماً، وستبقى اقتصادياتنا مستعمرة، كما أن أيّ تنمية ستكون حادثاً عرضياً بالكامل، وسوف تترك أغلبية السكان غير مشاركين في النشاط الاقتصادي».

 وهذه هي الحقيقة التي يجب أن تكون دستور إفريقيا الجديدة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"