«العملات المستقرة» أكثر أماناً

21:28 مساء
قراءة 4 دقائق
801

نيلي ليانج *
أطلّت علينا منذ مدة فئة جديدة نسبياً من الأصول الرقمية تُعرف باسم «العملات المستقرة»، لديها القدرة على منح الأمريكيين طرقاً أقل تكلفة وأكثر كفاءة للقيام بعمليات الشراء والمدفوعات.

وازدهر سوق هذه الأصول الرقمية شيئاً فشيئاً لتبلغ القيمة السوقية الحالية للعملات المستقرة اليوم حوالي 180 مليار دولار، ارتفاعاً من 5 مليارات دولار فقط في بداية عام 2020، أي ما يقرب من 10% من قيمة جميع الأصول الرقمية، ومن ضمنها العملات المشفرة.

لكن ما يستوقفني هنا أن العملات المستقرة هذه لم تخضع بعد لضمانات تنظيمية متسقة، مما يعني أنها تشكل خطراً كبيراً على المستهلكين وقد تهدد حتى استقرار النظام المالي الأمريكي والعالمي.

وعلى عكس الأصول الرقمية الأخرى، التي غالباً ما تشهد أسعارها تقلبات كبيرة، فإن الهدف من العملات المستقرة هو ببساطة أن تكون كما يشير إليها اسمها «مستقرة». مثلها مثل العديد من العملات المرتبطة بالدولار الأمريكي، ما يعني أنه من المفترض أن تكون مدعومة بالدولار نقداً أو بأوراق الخزانة أو غيرها من الأصول الآمنة، وبالتالي يمكن الحفظ عليها واستردادها عند الطلب.

اليوم، تُستخدم العملات المستقرة في الغالب لتسهيل تداول الأصول الرقمية الأخرى الأكثر تقلباً، كالبيتكوين. وتعمل الشركات في جميع أنحاء العالم على إنشاء عملات مستقرة تُمكّن قطاع الأعمال والأسر من إجراء المعاملات المالية بيسر وسهولة، وبالتالي المساعدة في جعل نظام الدفع أسرع وأكثر مرونة وشمولية. على سبيل المثال، قد يؤدي الدفع باستخدام عملة مستقرة إلى خفض التكاليف ومدة الانتظار في إرسال واستقبال التحويلات.

لكن في المقابل، تنطوي العملات المستقرة أيضاً على مخاطر كبيرة. مخاطر يمكن معالجتها بشكل أفضل من خلال التشريعات الجديدة.

ومن المفارقات، أن مجرد توقع محافظة هذه العملات على قيمتها ثابتة قد يجعلها خطرة خلال فترات التوتر. فإذا شعر حاملو العملات المستقرة في وقت ما بالقلق من أنهم لن يتمكنوا من تحويل عملاتهم المستقرة إلى دولارات، فقد يعمدون إلى التخلص منها بسرعة. وربما يكون التخارج قليلاً في البداية، لكنه سيتسارع مع مضي الوقت، وما يلبث أن يتوسع تلبية للطلب. كما يمكن أن يؤدي ذلك أيضاً إلى بيع الأوراق المالية الآمنة تقليدياً والتي من شأنها الإضرار بأجزاء مهمة من النظام المالي.

هذا ليس كلاماً افتراضياً ولا من باب التهويل، فالتاريخ حافل بالضربات التي نزلت على رأس المؤسسات المالية، بما في ذلك التهافت على البنوك في الفترة التي سبقت الكساد الكبير. فبين عامي 2007 و2008، ساعدت «بنوك الظل»، وهي الشركات التي تؤدي أنشطة شبيهة بالبنوك دون أن تخضع لإشراف مركزي، في تأجيج أزمة عصفت بالولايات المتحدة وجزء كبير من العالم آنذاك.

ونظراً لاستخدامها المحتمل للمدفوعات، تمثل العملات المستقرة مصدر قلق آخر. فأدوات الدفع مثل الشيكات وبطاقات الائتمان هي شريان الحياة للاقتصاد، وإذا حلت العملات المستقرة محل تلك الأنظمة إلى حد كبير، فإن الاضطرابات المتعلقة بالمحافظ الرقمية أو الآليات الأخرى التي تدعم استخدام العملات المستقرة للمدفوعات يمكن أن يكون لها آثار مدمرة.

ثم هناك مخاطر تتعلق بالروابط المحتملة بين مُصدّري العملات المستقرة وكبار تجار التجزئة أو الشركات التجارية الأخرى. فمنذ حوالي 10 سنوات، منع القانون الأمريكي الشركات التجارية من السيطرة على البنوك، وهو نهج حكيم، بالنظر إلى أن تركيز الكثير من القوة الاقتصادية في مكان واحد يمكن أن يحد من المنافسة ويلحق الضرر بالمستهلكين. لكن اليوم، لا شيء يمنع الشركات التجارية من إنشاء وإصدار عملات مستقرة.

تعمل وزارة الخزانة والمنظمين الماليين في الولايات المتحدة على استخدام كل الأدوات الممكنة لحماية المستهلكين من هذه المخاطر المحتملة، ونعلم أن العديد من الهيئات التنظيمية الحكومية تسير على النهج ذاته. ونحن بدورنا نحث الكونجرس أيضاً على سن تشريع يضمن خضوع العملات المستقرة لتنظيم مناسب وشامل.

في العام الماضي، انضمت مجموعة عمل الفريق الرئاسي المعنية بالأسواق المالية إلى مكتب المراقب المالي للعملة والمؤسسة الفيدرالية لتأمين الودائع لإعداد تقرير يتضمن توصيات لاتخاذ إجراء في الكونجرس. وأوصت المجموعة على وجه التحديد بتشريع يطالب مُصدّري العملات المستقرة بالحصول على ميثاق بنكي يضمن خضوعهم للمعايير الاحترازية التي تقلل من مخاطر التشغيل، وتمنع الشركات التجارية من التحكم بمصير هؤلاء المُصدّرين.

واعترافاً بأن استخدام العملات المستقرة للمدفوعات من المحتمل أن يعتمد على المحافظ الرقمية والخدمات الأخرى، أوصت مجموعة البيت الأبيض المعنية بالأسواق المالية بأن يخضع مزودو المحافظ للرقابة الفيدرالية، وبأن يفرض المشرفون الفيدراليون على أي كيان يقدم خدمات بالغة الأهمية ومرتبطة بالعملة المستقرة طريقة عمل تكون متوافقة مع معايير إدارة المخاطر المناسبة.

نحن نعلم أهوال المنتجات المالية المحفوفة بالمخاطر، فقبل خمسة عشر عاماً، ساعدت هذه المنتجات في إشعال أعمق ركود منذ الكساد الكبير، ولا أحد يرغب اليوم بعودة تلك الحقبة من جديد. ومع ذلك، فالعملات المستقرة المصممة جيداً والمنظمة بشكل مناسب يمكن أن تقدم مزايا مهمة لنظام المدفوعات الخاص بنا. لكن متاريس الحماية التي تضمن الاستخدام المسؤول والابتكار ضرورية، ويجب على الكونجرس أن يتصرف بسرعة للمساعدة في ضمان ألا تضر المخاطر المستهلكين والاقتصاد الأوسع.

* وكيلة وزارة الخزانة للشؤون المالية المحلية (واشنطن بوست)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"