تمكين المواهب التقنية لتعزيـز الاقتصـاد الرقمـي

21:54 مساء
قراءة 4 دقائق
3

البروفيسور سامح غوانمة *

خطت دولة الإمارات العربية المتحدة خطوات كبيرة في بناء اقتصاد تنافسي قائم على المعرفة لدفع عجلة التنمية الاقتصادية في مرحلة ما بعد النفط، وقد كان للتقدم المحرز في تقنية الاتصالات والمعلومات دور جوهري في تحقيق هذا النجاح، حيث مكّن الدولة من الاستجابة بسرعة للفرص الناشئة والصمود في وجه اضطرابات السوق المحلية. ومع ذلك، وعلى غرار بقية دول العالم، يجب على الإمارات العربية المتحدة العمل على ردم فجوة المهارات التقنية من خلال تطوير المهارات الرقمية المطلوبة للقوى العاملة، أي دعم ذوي الخبرات الجيدة في التقنيات المتطورة لإعداد القادة القادرين على العمل وتحقيق الإنجازات في المجال الرقمي وبالتالي المساهمة في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية طويلة الأمد لكافة الصناعات والقطاعات في بلدهم؛ ويعتبر التعاون بين الأوساط الأكاديمية والصناعية والحكومة مفتاح النجاح في تحقيق ذلك الهدف، حيث يمثل النموذج الوحيد القابل للتطبيق لتوفير المواهب الماهرة التي تتطلبها دولة الإمارات العربية المتحدة. ويمكننا في الوقت الراهن رؤية بعض المجالات كالرعاية الصحية والتعليم والبيع بالتجزئة وغيرها التي تزايد اعتمادها على الأنظمة الرقمية دون وجود كوادر بشرية مؤهلة كما يجب لإدارتها. لكن الجيد في الأمر أن هذه المجالات التي وصل فيها الطلب على المواهب التقنية إلى أعلى مستوياته توفر آفاقاً جديدةً من الإمكانيات التي تتيح بدورها فرصاً كبيرة للغاية لخلق قيمة جديدة.

ربما يتضح ذلك بصورة كبيرة في الحكومة الرقمية والخدمات العامة. كانت الحكومة الاتحادية لدولة الإمارات العربية المتحدة والعديد من الإمارات المعنية من أوائل الحكومات في العالم التي أدركت القوى التحويلية للرقمنة. وقد كانت اللجنة الوطنية للتحول الرقمي في الإمارات مسؤولة عن تنسيق المنهج الذي يتناول دور التكنولوجيا الفعال في تصميم الأنشطة الحكومية على المستوى الوطني وتنفيذها. وعلى الرغم من نضوج النموذج الحكومي الذي يتميز بتضمين التقنيات الرقمية في عمليات تصميم الخدمات في دولة الإمارات العربية المتحدة، إلا أن عمليات التطوير لا تتوقف عند هذا الحد، حيث يتم تطوير التطبيقات الناشئة في مجال البلوك تشين والذكاء الاصطناعي والدفاع السيبراني باستمرار، ويزداد اقترانها بالخدمات العامة مع ربط المزيد من التطبيقات والبيانات بالإنترنت.

بالإضافة إلى ذلك، تتحول المراكز الحضرية في دولة الإمارات العربية المتحدة بسرعة إلى مدن أكثر ذكاءً واستدامة، وتتميز هذه المدن بتوفير أنظمة التعليم الذكية وشبكات النقل المتصلة والتطبيقات المالية عبر الهواتف المتحركة والخدمات المرتبطة بها. ووفقاً لتقديرات معهد ماكينزي العالمي، من المحتمل أن يصل التأثير الاقتصادي لإنترنت الأشياء، وهو أحد مكونات المدن الذكية، إلى 11 تريليون دولار سنوياً بحلول العام 2025.

ولكن تشمل هذه المدن الذكية أيضاً العديد من التقنيات الأخرى التي تعزز الاستدامة البيئية، حيث تستخدم هذه المدن التقنيات الرقمية وتقنيات الطاقة المتطورة لإدارة موارد الطاقة وأنظمة معالجة المياه والقطاعات المتعلقة بها. وتُطوّر هذه التقنيات بما يتماشى مع استراتيجية الإمارات للطاقة 2050، فتعمل الدولة على التحول من توليد الطاقة باستخدام الوقود الأحفوري إلى توليد الطاقة الصديقة للبيئة.

ومن الضروري أن ندرك أيضاً التحولات الأساسية التي تحدث في التعليم عند دراسة قطاعات محددة داخل المدينة الذكية. وقد رأينا جميعاً كيف أدت جائحة كوفيد-19 إلى تسريع رقمنة الأنظمة الأكاديمية، فتستخدم كل مدرسة تقريباً في الوقت الحالي شكلاً من أشكال منصات التعليم عبر الإنترنت، فيما تتبنى المؤسسات الأكثر طموحاً تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز وغيرها من التقنيات ذات التجارب الغامرة. وتعتبر هذه المؤسسات الأكاديمية مثالاً على القطاع الذي لا يكفي فيه توفر خبراء وفرق دعم لتقنية المعلومات فحسب، ولكن يجب أيضاً تمكين جميع الأطراف في المؤسسة - في هذه الحالة، تمكين المعلمين والطلاب - من خلال المهارات الرقمية.

وفي أي من هذه السيناريوهات، سواء أكانت حكومة إلكترونية أو تعليماً ذكياً، يجب أن نسأل: ما هي المهارات اللازمة لتمكين الناس في الإمارات العربية المتحدة من الاستفادة من التقدم الرقمي؟

أولاً، يجب أن يتمتع أي خريج في مجال الحاسوب اليوم ببعض المهارات الخاصة بالذكاء الاصطناعي، فالذكاء الاصطناعي له بصمة على كل قطاع تقريباً، وهناك طلب كبير على المتخصصين في مجال الذكاء الاصطناعي. كما يتميز الذكاء الاصطناعي بأنه مجال ديناميكي للغاية، ويتطلب مواهب تقنية متطورة، بالإضافة إلى مهارات حل المشكلات والقدرة على العمل في مجالات متعددة التخصصات.

ثانياً، ستكون الخبرة في «الأنظمة الذكية» موهبة مطلوبة للغاية في السنوات القادمة مع أتمتة قطاعات كبيرة من الاقتصاد، وربط المزيد من الأشخاص والخدمات والأجهزة بالإنترنت بمعدل ضخم. فعلى سبيل المثال، أعلنت عدة إمارات بالفعل عن خطط لنشر السيارات ذاتية القيادة. وسيحصل أصحاب المواهب الذين يتقنون إدارة هذه الأنظمة الآلية والذكية على وظائف بأجور عالية للغاية، لا سيما أولئك الذين يمكنهم جمع وتحليل البيانات الضخمة من مختلف الأنظمة.

وهناك مجال شاسع من المهارات التي يجب تغطيتها، بدءاً من الروبوتات المتطورة إلى الحوسبة السحابية والتحاليل الجنائية الحاسوبية والبلوك تشين.

وتتمثل الطريقة الوحيدة لمعالجة أزمة المواهب اليوم في تعاون الأوساط الأكاديمية مع الصناعة والحكومة وشركات التقنية نفسها.. ولا تفيد هذه البرامج المؤسسات الأكاديمية وحدها، بل تفيد منظومة تقنية الاتصالات والمعلومات بأكملها في الدولة من خلال تعزيز المعرفة النظرية وإعداد الطلاب لحل مشكلات العالم الواقعي بكفاءة أكبر.

لا تزال فجوة المواهب الرقمية واسعة، لكننا لسنا وحدنا في هذا التحدي. ومن خلال استكشاف وسائل جديدة للتعاون المفتوح وتبادل المعرفة، ستظل الوظائف وفرص الابتكار التنافسية سمة مميزة لاقتصاد دولة الإمارات العربية المتحدة.

* مستشار في جامعة الفجيرة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"