التجارة العالمية بحاجة إلى تنويع أكبر في الإمدادات

22:03 مساء
قراءة 4 دقائق

دافيد مالاكرينو وعادل محمد وأندريا بريسبيتيرو *

شهدت البلدان التي فرض شركاؤها التجاريون تدابير إغلاق أكثر صرامة تراجعاً أكبر في حجم الواردات. وعلى الرغم من تصحيح مسار التدفقات التجارية، يمكن أن تسهم زيادة تنويع سلاسل القيمة العالمية في الحد من تأثير الصدمات المستقبلية.

وكان من المتوقع أن تؤدي صدمات الطلب والعرض الناجمة عن الجائحة إلى انهيار حاد في التجارة، ولكن التجارة الدولية ثبت أنها أكثر صلابة مقارنة بالأزمات العالمية السابقة.

فبينما سجلت تجارة السلع انخفاضاً حاداً في الربع الثاني من عام 2020، ارتفعت مجدداً إلى مستويات ما قبل الجائحة مع نهاية العام. غير أن الخدمات (مثل السياحة) شهدت تراجعاً أشد وطأة خلال 2020، وتعافياً أكثر بطئاً لاحقاً، بسبب استمرار القيود المفروضة في بعض البلدان، لاحتواء العدوى.

اقترنت الجائحة ببعض العوامل التي تساعد في تفسير هذه الأنماط التجارية.

أولاً، كانت الواردات السلعية عام 2020 أكبر من المتوقع في ضوء مستويات الطلب (والأسعار النسبية) السائدة آنذاك، وهو ما لوحظ على نحو أكثر وضوحاً في البلدان التي شهدت تدابير إغلاق صارمة أو موجة شديدة من تفشي الجائحة.

ثانياً، نشأت عن تدابير الإغلاق العام تداعيات دولية ملحوظة - وإن لم تكن مقصودة. فقد شهدت البلدان التي فرض شركاؤها التجاريون تدابير إغلاق أكثر صرامة انخفاضاً أكبر في حجم الواردات السلعية؛ حيث يُعزى 60% في المتوسط من حجم التراجع في الواردات خلال النصف الأول من عام 2020 إلى تدابير الإغلاق العام لدى الشركاء التجاريين. وتركزت هذه الآثار بالدرجة الأكبر في الصناعات المتممة لعمليات الإنتاج التي تعتمد اعتماداً كبيراً على سلاسل القيمة العالمية (مثل الإلكترونيات).

غير أن هذه الآثار لم تستمر طويلاً، مما يشير إلى صلابة سلاسل الإمداد العالمية. كذلك ساهم العمل من بُعد في الحد من تداعيات الإغلاق العام على التجارة.

وعلى الرغم من ذلك، أدت الانقطاعات الناتجة عن الجائحة إلى انطلاق دعوات لإنتاج المزيد من السلع محلياً (إعادة توطين الإنتاج). غير أن تفكيك سلاسل القيمة العالمية ليس الحل؛ حيث تتحسن مستويات الصلابة كلما ازداد التنويع، وليس العكس.

تؤكد بيانات التجارة ما أشرنا إليه آنفاً. فبلدان آسيا التي تضررت في وقت مبكر من جائحة كوفيد-19 ونجحت في احتوائها لاحقاً (في الوقت الذي فرضت فيه بلدان أوروبية عديدة قيوداً مشددة على الحركة) ارتفع نصيبها السوقي من منتجات سلاسل القيمة العالمية، في منتصف عام 2020، بمقدار 4.6 نقطة مئوية في أوروبا و2.3 نقطة مئوية في أمريكا الشمالية. وكانت هذه المكاسب كبيرة وسريعة قياساً بالمعايير التاريخية، لكنها تراجعت جزئياً مع نجاح البلدان في التكيف مع الجائحة، مما يشير إلى أن هذه التغيرات كانت مؤقتة على الأرجح.

وعلى الرغم من تصحيح مسار سلاسل القيمة العالمية، شهدت بعض الصناعات مثل السيارات انقطاعات حادة في الإمدادات، مما يشير إلى ضرورة تعزيز الصلابة. ونحلل فيما يلي خيارين لبناء صلابة سلاسل الإمداد، وهما تنويع المدخلات عبر البلدان، وزيادة قابلية إحلال المدخلات.

تعزيز الصلابة التجارية تم تصميم نموذج اقتصادي عالمي لمحاكاة آثار الانقطاعات ومقارنة النتائج في ظل زيادة مستويات التنويع أو زيادة قابلية الإحلال (سهولة قيام المنتِج بإحلال أحد موردي المدخلات في بلد ما محل مورد في بلد آخر). وتم وضع سيناريوهين: انقطاع الإمدادات في بلد واحد من كبار موردي المدخلات، ومجموعة من صدمات الإمداد في بلدان متعددة.

ويشير تحليلنا إلى أن التنويع يسهم بدرجة كبيرة في الحد من الخسائر الاقتصادية العالمية الناجمة عن انقطاع الإمدادات. فعقب انكماش حاد في عرض العمالة (25%) في بلد واحد من كبار الموردين العالميين، ينخفض إجمالي الناتج المحلي في متوسط الاقتصادات بمقدار 0.8% في السيناريو الأساسي. ويتراجع هذا الانخفاض إلى النصف تقريباً في سيناريو زيادة التنويع.

وتساعد زيادة التنويع أيضاً في الحد من التقلبات في حالة تعرض بلدان متعددة لصدمات في الإمدادات. فوفقاً لتقديراتنا، تتراجع تقلبات النمو الاقتصادي في متوسط البلدان بنحو 5% في هذا السيناريو. غير أن التأثير الوقائي للتنويع لن يكون كافياً إذا تعرضت جميع الاقتصادات لموجة حادة من الانقطاعات في الوقت نفسه، على غرار ما حدث في الأشهر الأربعة الأولى من الجائحة.

ويمكن للبلدان تنويع إمداداتها من خلال تعهيد المزيد من عمليات توريد المدخلات الوسيطة لجهات بالخارج. غير أنه يوجد في الوقت الحالي «تحيز» كبير لتعهيد هذه الإمدادات إلى موردين محليين. فالشركات في نصف الكرة الغربي، على سبيل المثال، تحصل على 82% من مدخلاتها الوسيطة من موردين محليين؛ لذلك سيؤدي نقل جزء من الإنتاج من الخارج إلى الداخل إلى تراجع التنويع بدرجة أكبر.ويمكن أن تتحقق قابلية الإحلال بطريقتين، إما من خلال زيادة مرونة الإنتاج، كما حدث عندما قامت شركة تيسلا للسيارات الكهربائية بإدخال تعديلات برمجية على سياراتها، لتمكينها من استخدام أشباه موصلات بديلة في ظل أزمة نقص هذه الموصلات، أو من خلال توحيد مواصفات المدخلات على المستوى الدولي. فعلى سبيل المثال، صرّحت شركة جنرال موتورز مؤخراً بأنها تعمل مع عدد من موردي أشباه الموصلات على خفض عدد الشرائح ذات المواصفات الخاصة التي تستخدمها بنسبة 95% إلى ثلاث مجموعات فقط من هذه الموصلات. وستؤدي هذه الخطوة إلى الاستغناء عن مجموعة كبيرة من الشرائح وتجنب الكُلفة الناتجة عن الإحلال فيما بينها.

* صندوق النقد الدولي (أُجري هذا التحليل في مطلع عام 2022)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"