قيم تتحدى الرياح

00:17 صباحا
قراءة دقيقتين

الصيف متعة وراحة واسترخاء وبحر وشمس وسفر.. لكن ليس لكل الناس، فهناك من يعد عدته ويجهز حقائبه لسفر لا راحة فيه ولا استرخاء ولا «صحبة حلوة»، سفر يخفق له القلب خوفاً من بداية رحلة جديدة، المجهول بطلها والثقة بالنفس ميزانها الأساسي، سفر يحدد ملامح المستقبل، تغيير مسار وبداية اختبار حقيقي مع الحياة.
بيوت كثيرة تعيش فرحة تخرّج أحد الأبناء من الثانوية العامة والاستعداد للسفر إلى الخارج للالتحاق بإحدى الجامعات، الفرحة كبيرة بلا شك، لكن القلق كبير أيضاً، خصوصاً إذا كانت الرحلة إلى بلد لا قريب للطالب فيه ولا أهل يلجأ إليهم وينام وسطهم كل مساء.
البداية الجديدة تكون صعبة لكنها مفيدة إذا جاء الاختيار مناسباً، والاختيار الأول يكون للجامعة والكلية التي يلتحق بها الطالب والمفروض أن يكون مطلعاً على أدق تفاصيل شروطها ومستواها، ناهيك طبعاً عن حسن اختيار التخصص الذي يجب أن يكون بملء إرادة الطالب وعن قناعة تامة به. والاختيار الثالث هو اختيار مكان الإقامة، ومن بعدها تبدأ مسؤولية الطالب في حسن اختيار الأصدقاء الذين سيهوّنون عليه غربته ويدعمونه معنوياً؛ لأنه سيحتاج لكل دعم معنوي في عامه الأول وتجربته الأولى مع الغربة.
أهم من كل الاختيارات التي ذكرناها، هناك نقطة ارتكاز أساسية، لا بد من وجودها كي ينعم الطالب بتجربة ناجحة تزيده ثقة بنفسه، وتزيده قوة في مواجهة الحياة وحيداً بعيداً عن حضن الوالدين، نقطة يتحمل مسؤولية وجودها ومدى قوتها الأهل فقط، وهي الأسس التربوية والأخلاقية التي وضعها الوالدان ليكبر وفقها بنيان ابنهما النفسي والروحي. القيم التي زرعوها فيه فتشبثت جذورها في أعماقه، ولن تستطيع أي رياح مهما بلغت شدتها من اقتلاعها، المفاهيم الصحيحة التي شكلت وعيه فانفتح على العالم الخارجي مبكراً ليزداد معرفة وثقافة، دون أن ينبهر بهذا العالم الغريب الواسع ويخجل من هويته وأهله وأجداده وأصوله.
الصيف بالنسبة لبعض العائلات بداية رحلة طويلة، أولها فرحة ودموع، سفر ووداع، غربة وبداية استقرار لإنسان يشق طريقه بنفسه ويرسم ملامح مستقبله بيده. إحساس جميل أن ترى ولدك على مشارف التحليق عالياً وحده، تمنحه ثقتك وتخفي عنه قلقك وخوفك عليه، تراه أمام عينيك وقد كبر وهو في قلبك ما زال طفلاً يحبو، تريده أن يواجه الحياة ويعالج مشاكله بنفسه، وتتمنى لو تستطيع أن تزيل بنفسك كل العقبات من دربه.
 [email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"