ألم البابا تواضروس في حريق الكنيسة

00:16 صباحا
قراءة 3 دقائق

سليمان جودة

شبّ حريق قبل أيام في كنيسة أبوسيفين غربي القاهرة، فأدى إلى تعاطف عربي ودولي مع ضحايا الحريق الذي أودى بحياة 41، وإصابة 14 من الأقباط. 

وفي تعليقه على الحادث قال البابا تواضروس الثاني، بطريرك الكرازة المرقسية، عبارة من كلمتين اثنتين: نشعر بالألم. 

والصوفيون يقولون دائماً إن المعنى يتكثف كلما ضاقت العبارة، وكلما، بالتالي، قلّت كلماتها وتركزت في بضع كلمات معدودة على أصابع اليد الواحدة، وربما على أصابع اليدين. وهذا ما تستطيع أن تراه بالوجدان المجرد في عبارة البابا ذات الكلمتين. 

وليست هذه هي المرة الأولى التي يطلق فيها الرجل عبارة من هذا النوع، فمن قبل كان أطلق عبارة أشد تكثيفاً في معناها، وأكثر قوة في الإيحاء بمعنى لا تجده إلا في النادر من العبارات. 

 كان ذلك في عام 2013 وقت أن ثار المصريون على «الإخوان»، وكان من حماقة الجماعة «الإخوانية» وقتها أنها استهدفت عدداً من الكنائس على امتداد البلد، فقام بعض أنصار الجماعة ومؤيديها بإشعال النار في العشرات من الكنائس، ولم يملك البابا تواضروس والحال هكذا، سوى أن يعبّر في كلمات قليلة، عما كان يتابعه ويراه في كل كنيسة مشتعلة، شأنه في ذلك الوقت شأن كل مصري محب لوطنه وخائف على بلده. 

قال: وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن. وهي عبارة تلخص الموضوع في كلمات لا توزن بشيء قدر ما توزن بميزان الذهب.

هي توزن بهذا الميزان لأنها تشير إلى عقل راجح في رأس صاحبها، ولأنها تدل على أنه في وقت الضرورة راح يقدم العام في البلد على الخاص، وأنه قد راح ينبه إلى أن الانتماء إلى الوطن الأم لا يعادله انتماء، وأن الخاص إذا التقى مع العام ، فالثاني يتقدم دون نقاش. 

وهذا، بكل أسف، ما كان غاب عن جماعة «الإخوان» وهي تدفع عناصرها إلى استهداف الكنائس، وكان الاستهداف في حد ذاته من بين علامات الحماقة لدى الجماعة. 

 كان من علامات الحماقة لأن استهداف أي كنيسة هو استهداف للوطن نفسه الذي تعيش على أرضه الجماعة ذاتها، قبل أن يكون استهدافاً للكنيسة باعتبارها داراً من دور العبادة، وقبل أن يكون استهدافاً للجماعة القبطية التي تؤدي شعائر دينها داخل الكنيسة المستهدفة. 

 وكان من العجيب أن يأتي الاستهداف على يد جماعة تمشي بين الناس، بما قال الله تعالى في كتابه الكريم، وبما قاله الرسول، عليه الصلاة والسلام، في أحاديثه الصحيحة. فليس في القرآن الكريم آية واحدة عن استهداف دور العبادة الخاصة بغير المسلمين، ولا في أحاديث النبي الصحيحة حديث واحد يقول بالاستهداف، أو يُقره تحت أي ظرف، أو في أي حال. 

 بل يقول القرآن الكريم وعلى طول الخط، يتحدث عن طعام أهل الكتاب، وكيف أنه حلال تماماً بالنسبة إلى المسلمين. وفي حديث صحيح من أحاديث رسول الله، عليه الصلاة والسلام، يقول ما معناه أنه خصيم في يوم القيامة لكل مَنْ ألحق الأذى بأي إنسان من أهل الكتاب، ومفهوم أن أهل الكتاب هُم اليهود والمسيحيون باعتبار الفريقين أصحاب ديانتين سماويتين. 

ومن قبل كان البابا شنودة قال: مصر وطن يعيش فينا قبل أن نعيش فيه. ومن عبارته إلى عبارة البابا تواضروس، فإن النبع الذي يغترف منه الرجلان واحد، والألم الذي أحس به البابا هو ألم كل مصري. 

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc8btf89

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"