تشاد على خط الأزمة

00:36 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد سيف راشد الجابري *

ليس هناك من جهد على الباحث عن أهمية تشاد سوى النظر إلى خريطة القارة الإفريقية ليجد الإجابة عن تساؤله وليعلم أهميتها بالنسبة لمحيطها الإقليمي وخاصة العربي، أو أهميتها بالنسبة للقوى للغربية سواء في ربطها بين شرق القارة وغربها أو في وجودها كحلقة وصل بين الشمال الإفريقي العربي وإفريقيا جنوب الصحراء وكونها دولة ضخمة سواء بالنسبة لما يكتنزه باطن أرضها من ثروات كالنفط واليورانيوم والذهب أو بالنسبة للخريطة العرقية المتنوعة التي تعيش على أرضها حيث تعيش هناك قرابة 200 عرقية.

وتعود أهمية تلك الدولة عربياً التي ينص دستورها الحالي على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد بجانب اللغة الفرنسية ويدين أغلب أهلها بالدين الإسلامي وفي ظل تناغم وانصهار قبلي بين القبائل والبطون العربية التي تعيش في الدول العربية المجاورة، سواء بين تشاد وليبيا من ناحية مثل القرعان وأولاد علي وأولاد سليمان والقذاذفة أو بين تشاد والسودان من ناحية أخرى مثل الزغاوة والفور والمسيرية وعرب المحاميد والمساليت.

كما كان للأزهر دور معلوم والحركة السنوسية والطرق الصوفية كالتيجانية والميرغنية في الحفاظ على اللغة العربية وانتشارها في ظل الهوية الإسلامية لأغلب الشعب التشادي، حيث باتت تشاد عربية اللسان والهوية دون أن تتشح بوشاح الجامعة العربية، وإن كانت تقع الملامة على تلك الجامعة ودولها في عدم القدرة على احتوائها داخل الجامعة نظراً لأهميتها الشديدة وتأثيرها على محددات الأمن القومي العربي في صيغته الإفريقية وصيانته، وليس أدل على ذلك من معسكرات اللاجئين السودانيين في شرق تشاد على أثر الصراع في دارفور، وكذلك الصراع بين بعض بطون قبيلة الزغاوة في البلدين والذي ينتمي إليها الرئيس الراحل إدريس ديبي وكذلك خليل إبراهيم قائد حركة العدل والمساواة ومني اركو مناوي، ثم اتفاق الصلح بين قبائل التبو ونظام ديبي الأب.

كذلك هناك أهمية لتشاد بالنسبة للقوى الدولية، حيث تعد منطقة نفوذ تاريخي لفرنسا، إلا أن ذلك لا يمنع أنها منطقة ذات أهمية استراتيجية لأكثر من قوة دولية. فقد أكسبها وقوعها بين ليبيا والنيجر والكاميرون وإفريقيا الوسطى أهمية للغرب من ناحيتين:

* أولاً: اعتبارها نقطه تمركز في المواجهة الغربية للإرهاب والحركات الراديكالية الإسلامية التي تتخذ من منطقة الساحل الإفريقي معسكرات إعداد وتمركز، وإعادة انتشار كجماعة بوكو حرام في نيجيريا وبعض ميليشيات الطوارق في شمال مالي وتعاونها مع «حركة انصار» الدين التي بايعت القاعدة في 2013 و«حركة الجهاد والتوحيد» في شمال مالي و«القاعدة في بلاد المغرب العربي» ومعسكرات «داعش» المنتشرة في صحراء دول الساحل.

* ثانياً: كونها نقطة تمركز استطلاع لرصد انعدام الأمن والاستقرار السياسي في المحيط الإقليمي لمنطقة الساحل والتي باتت تعني رقماً يصعب تجاوزه في الحرب العالمية على الإرهاب، كما أنها تعني لباريس الكثير في إطار الاستراتيجية الفرنسية نظراً لاحتكاكها المباشرة بملفات مهمة خاصة بالمصالح الاقتصادية أو العسكرية بسبب تماسها مع الأمن القومي العربي في صورته السياسية بتداخلها جغرافياً مع السودان ومصر ومنطقة وادي النيل وكذا تماسها الجغرافي مع ليبيا والجزائر وثروات الطاقة. ولعل ذلك ما وضعها نصب أعين اكثر من قوة دولية وإقليمية، فقد زحفت إليها روسيا عن طريق مجموعات فاغنر التي ساندت جماعة التغيير والوفاق في صراعها مع الجيش التشادي وهو ما تسبب في قلق غربي حيال محاولة الاختراق الروسي للمنطقة وكذلك النشاط التركي الملحوظ هناك.

كذلك تعني تشاد للإمارات نقطة مهمة للدور الإماراتي في عموم إفريقيا ومنطقة الوسط منها، بالإضافة إلى كونها بلداً بلسان عربي مسلم فقد عززت الإمارات من شراكتها مع انجامينا وساندت جهودها الهادفة إلى تحقيق الاستقرار والازدهار ووسعت روابطها التجارية معها حتى بلغ حجم التجارة البينية حوالي 600 مليون دولار مصحوباً بدعم إنساني تخطى المئة المليون دولار.

تلك الأهمية جعلت تلك القوى حريصة على عودة الاستقرار لتشاد وهو ما بات واضحاً من دفع القوى المتناحرة إلى طاولة الحوار الوطني والمصالحة بغية الوصول إلى دستور جديد للبلاد وانتخابات حرة للوصول بالبلاد إلى بر الأمان بدستور جديد، حيث إن البديل سيكون انهيار لدولة ستؤرق المنطقة.

كما أن هذا الشعب الذي عانى كثيراً من الفقر وعدم الاستقرار؛ آن له أن يرى الاستقرار وتحقيق الأمن وأن ينعم بثرواته التي حبا الله بلاده بها.

* باحث في العلاقات الدولية - متخصص في الشأن الإفريقي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4mne9754

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"