انتصرت الإنسانية

00:07 صباحا
قراءة دقيقتين

في المحن يُمتحن العالم، فمهما استعد الإنسان وطور من نفسه ومن أدواته، ومهما تحصنت الدول لتحمي برها وبحرها وجوها فإن لله رسائل يبعثها على غفلة تنذر البشرية جمعاء وتظهر للإنسان حدوده ومدى ضعفه وعجزه عن مواجهة ما يفوق قدراته، وكل كارثة طبيعية هي الجرس الذي يعيد البشرية إلى رشدها وهي الامتحان الذي لا يمكن التفوق فيه إلا بمشيئة الله.
الزلزال الذي ضرب تركيا بقوة 7.8 درجة وامتد إلى سوريا ودول كثيرة، حاصداً الآلاف من القتلى والجرحى، هو كارثة اهتزت لها الأبدان ووقف أمامها العالم لا حول له ولا قدرة تمكنه حتى من منع تداعيات الزلزال التي توالت وارتفعت هي أيضاً إلى حدود ال 7 درجات. 
المشاهد مرعبة، وما عاشه الناس في دول ومناطق عدة وحد النفوس والقلوب، سقطت أمامه كل الشعارات، هز عرش السياسة لتطفو على السطح المواقف الإنسانية والتضامن والوحدة بين أبناء الكوكب الذي نعيش عليه ونواجه أزماته وكوارثه الطبيعية والبيئية معاً. 
تزلزلت القلوب فانتصرت الإنسانية، ضعيف الإنسان وعاجز وصغير أمام الكوارث التي تباغته وتفوق قدراته، هذا الهلع الذي يعيشه العالم يجعله يخلع عنه العصبيات والعنصرية وأي تحيز كما يضع السياسة جانباً ليمد يده بالعون إلى الدول المنكوبة أينما كانت ومهما باعدت بين الدول مواقف واتجاهات.
الإمارات من أوائل الدول التي تكسر الحدود وتذيب أي جليد بينها وبين دول تواجه كوارث أو مصائب، وقد سارعت أمس إلى مد يد العون والتضامن مع تركيا وسوريا مبدية استعدادها لتقديم كل دعم ممكن للمساعدة في مواجهة آثار هذا الزلزال، والظروف الصعبة والمأساة الإنسانية الكبيرة التي يواجهها الشعبان التركي والسوري.
الدول هبت من شرق الأرض إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها لترسل المساعدات الطبية وفرق الإنقاذ والدفاع المدني للمساعدة في عمليات الإنقاذ والبحث والعناية بالمصابين والمشردين.. لا حسابات ولا حزازيات، الهَم الإنساني واحد، وما أصاب تركيا وسوريا قد يصيب أي بلد في العالم في أي وقت، وسيكون رد فعل العالم مشابهاً لهذا المشهد الإنساني الذي شهدناه أمس واليوم. 
الإنسانية تنتصر، الكوارث تباغتنا وتمتحننا، نعجز أمامها وتسقط كل الحسابات والصراعات، فليت العالم يعيد حساباته ويضع الإنسان والإنسانية في مقدمة حساباته وهو يخطط ويرسم ويفرز الدول والبشر وفق خنادق ضيقة ونزاعات بشعة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bp6fs27p

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"