مضايقة ماكرون في القدس!

03:32 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

مضايقة ماكرون في إحدى كنائس القدس هي رسالة «إسرائيلية» إلى العالم بأن القدس بشطريها الغربي والشرقي هي عاصمتها.

خلال زيارة الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون الأخيرة إلى «إسرائيل» التي تضمنت زيارة إلى الكنيسة الصلاحية، في منطقة باب الأسباط في مدينة القدس المحتلة، وقع حادث قد يرى البعض فيه حادثاً عرضياً، أو خللاً بروتوكولياً، وذلك عندما حاولت شرطة الاحتلال التضييق على الحرس المرافق له، الذي رفض بدوره مرافقة رجال الشرطة «الإسرائيلية» له ودخولهم إلى حرم الكنيسة، التي تقع على أرض تعود ملكيتها لفرنسا.

جاء ذلك في وقت كانت فيه قوات الاحتلال تتواجد بكثافة في منطقة باب الأسباط، وعلى أبواب الكنيسة الصلاحية، حيث أبدى الرئيس الفرنسي امتعاضه الشديد من الطريقة التي تعامل بها أفراد شرطة الاحتلال، قائلاً لأحدهم بنبرة غاضبة: «لم يعجبني ما فعلته خلفي، نحن نعرف، والجميع يعرف القوانين والإجراءات، وعليك احترامها».

وطلب ماكرون من قوات الاحتلال احترام المكان وقوانينه، قائلاً للضابط «الإسرائيلي»: «اخرج.. أنا آسف، ولكننا نعرف القوانين، لا يحق لأي أحد أن يستفز شخصاً آخر، فلنلتزم بالهدوء (...) رجاء احترموا القوانين التي لم تتغير منذ قرون (...)، فليحترم الجميع القوانين».

هذه الحادثة تعيد إلى الأذهان حادثاً مشابها تعرض له الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك الذي لم يسلم هو أيضاً من مضايقات شرطة الاحتلال خلال زيارته القدس الشرقية في 22 أكتوبر / تشرين الأول 1996.

ومع أن هذه المضايقات التي تعرض لها الرئيس الفرنسي، من قبل شرطة الاحتلال، ليست الأولى التي يتعرض فيها مسؤول دولي، إلا أن ما جرى في هذه الحادثة، يحمل الكثير من المدلولات، أولها تجاهل قوات الاحتلال للأعراف والقوانين الدولية التي تنظم شؤون الأماكن الدينية، تحت الاحتلال، واحترام حرية الوصول إليها، وحرية العبادة، كما تبين مدى عنجهية الشرطة «الإسرائيلية» في التعامل مع كل من يدخل القدس المحتلة، حتى لو كان رئيساً، في محاولة منها لفرض أمر واقع، وإرسال رسائل إلى العالم بأن القدس بشطريها الغربي والشرقي هي عاصمة «إسرائيل»، ولذا فإن كل ما يدور أو يجري فيها يجب أن يكون تحت إدارة وإشراف سلطات الاحتلال.

لكن المفارقة التي تفرض ذاتها هنا هي أن الرئيس الفرنسي ماكرون، وقبله نظيره الراحل شيراك، اللذين استفزتهما ممارسات شرطة الاحتلال، لم يستفزهما ذلك الكابوس الثقيل الواقع على صدور أبناء الشعب الفلسطيني منذ إقامة «إسرائيل» حتى يومنا هذا. فإذا كان الرئيس الفرنسي ماكرون قد استفزته الشرطة «الإسرائيلية»، عندما حاولت مرافقته داخل الكنيسة، فما بال أبناء الشعب الفلسطيني، الذين يمنعون من دخول المسجد الأقصى، وتأدية العبادات فيه، بين حين وآخر، وتمارس بحقهم أبشع أنواع التمييز العنصري، الذي يفوق ما قامت به النازية.

بالتأكيد إن ما تعرض له الرئيس الفرنسي خلال زيارته هذه، قد لا يؤثر في العلاقات «الإسرائيلية» - الفرنسية، أو علاقات «إسرائيل» بالدول الغربية الداعمة لها، لكنه يقدم دليلاً جديداً على مدى استهتار الاحتلال بالمواثيق الدولية، ومدى الظلم الذي لحق بالشعب الفلسطيني، كما أن هذه الحادثة على الرغم من بساطتها قد تكون مناسبة للتذكير بدور فرنسا، في دعم وتعزيز الوجود «الإسرائيلي»، شأنها في ذلك شأن معظم الدول الغربية، التي أسهمت في زرع المشروع الصهيوني في فلسطين، ولذا فإن كل ما يقترفه الاحتلال من ممارسات لا قانونية، إنما هو نتاج ما زرعه الغرب في هذه المنطقة، والذي بات مطالباً بالاعتراف بدوره بما جرى ويجري للشعب الفلسطيني من ويلات.

فحادثة مضايقة شرطة الاحتلال للرئيس الفرنسي، على الرغم من مخالفتها للقانون الدولي لا يمكن مقارنتها أبداً بما يرتكب من جرائم بحق الشعب الفلسطيني. فهل ستبقى الدعاية الصهيونية مسيطرة على العقل والوجدان الغربيين، بما تمتلكه من مال وسطوة إعلامية كبيرة؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"