القلق «الإسرائيلي» الكبير

04:06 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

على الرغم من مظاهر القوة التي تتمتع بها، والتي وفرتها لها الدول الاستعمارية الغربية لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، فإن «إسرائيل» تبدو في مأزق حقيقي إذا ما نظرنا إلى الصراع العربي «الإسرائيلي» على المستوى الاستراتيجي والبعيد، في ظل استمرار العنجهية «الإسرائيلية» والسلوك العدواني الذي تسلكه الطغمة العسكرية الحاكمة في «إسرائيل»، والتي تعتقد أنها تستطيع بواسطة القوة أن تفرض شروطها على المنطقة إلى الأبد.
وفي تقرير له صدر مؤخراً كشف معهد أبحاث الأمن القومي، التقدير الاستراتيجي ل«إسرائيل»، والتهديدات المركزية للسنة المقبلة، مبيناً في وثيقة قدمت إلى رئيس الكيان رؤوفين ريفلين، التغيرات الاستراتيجية والمركزية المؤثرة في «إسرائيل»، والتهديدات والتوصيات للتعامل مع التحديات الأمنية والسياسية.
ويبين التقرير المذكور أن الساحة الشمالية، ويقصد بها سوريا تحديداً، تمثل التهديد المركزي الأهم على «إسرائيل»، وأن الأنشطة الإيرانية لتشكيل قوة عسكرية في سوريا، والتي تقابلها أنشطة صارمة لحكومة «إسرائيل» للتعامل مع هذا التهديد، قد تؤدي إلى تصعيد في الجبهة الشمالية.
ويوضح التقرير أن مواجهة كهذه في حال اندلعت لن تكون محدودة فقط بقوة معينة أو ساحة محددة، وستؤدي إلى مواجهة عسكرية في الجبهة السورية واللبنانية في آن واحد.
ويعتقد باحثو المعهد أن روسيا التي تعتبر الدولة الأقوى في المنطقة، ستقف على الحياد، لكنها ستفرض قيوداً على حرية العمل «الإسرائيلية»، وأن هذا المعطى له دلالات كبيرة في ظل الأفضلية الجوية الواضحة ل«إسرائيل».
ويزعم الباحثون أن روسيا هي المستفيد الأكبر في الشرق الأوسط في السنتين الأخيرتين، وذلك من خلال إضعاف دور الولايات المتحدة لتحصين قبضتها الاستراتيجية في سوريا.
وعلى الرغم من وصفهم لإدارة ترامب بأنها متعاطفة مع «إسرائيل»، فإنهم أشاروا إلى أن هذه الإدارة تبدو معزولة، وأن تأثيرها في المنطقة ينسحق، وأنها تستثمر أساس مواردها في مناطق أخرى، بعيدة عن المصالح «الإسرائيلية» على حد تعبير الباحثين «الإسرائيليين».
أمام تقديرات شعبة الاستخبارات (أمان) والجيش «الإسرائيلي»، يبدو أن المعهد يعطي فرصة أكبر لاندلاع مواجهة عنيفة على الحدود الشمالية، ستكون الأخطر.
أما التهديد الثاني والمتفجر أكثر، فقد اعتبره المعهد بشكل غير مفاجئ قطاع غزة. فعلى الرغم من أنه بحسب التقرير «الإسرائيلي» ليس لدى «إسرائيل» وحماس مصلحة في ذلك، لكن ثمة مجموعة عوامل قد تشعل المنطقة من بينها انهيار المصالحة الفلسطينية، وعمليات وصفها الباحثون «الإسرائيليون» بالإرهابية التي قد تقدم عليها بعض التنظيمات، ناهيك عن الوضع الاقتصادي السيئ في قطاع غزة، والتوترات السياسية في مثلث الولايات المتحدة «إسرائيل» السلطة الفلسطينية.
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما يجري في سوريا حالياً، سواء من حيث استمرار الاعتداءات «الإسرائيلية» عليها، والتي تترافق مع تصعيد تركي كلما أحرز الجيش السوري إنجازات جديدة في مواجهة التنظيمات الإرهابية في إدلب وغيرها من المناطق السورية، اكتشفنا مدى القلق «الإسرائيلي» من تعافي سوريا، ومحاولة إبقائها بالتعاون مع النظام الحاكم في تركيا برئاسة رجب طيب أردوغان أسيرة صراعات داخلية مزمنة، بدعم أمريكي واضح.
وإذا كان هذا الخطر يبدو للوهلة الأولى موجهاً ضد سوريا، فإنه بالمحصلة يستهدف جميع العرب لفرض الهيمنة «الإسرائيلية» والتركية على المنطقة.
أخيراً، يمكن القول إن «إسرائيل» على الرغم من كل ما تمتلكه من إمكانات عسكرية هائلة، فإنها تدرك في الوقت ذاته أن صراعها المفتوح مع العرب، لا يمكن أن يحسم لصالحها على المدى البعيد، مهما حققت من انتصارات، وأن الوسيلة الوحيدة لبقائها تكمن فقط في سلام شامل يضمن الحقوق الوطنية الفلسطينية، باعتبار أن القضية الفلسطينية هي لب الصراع، ويكون مقبولاً من أطراف الصراع كافة، وإلا فإن المواجهة العسكرية الكبرى التي تتخوف منها «إسرائيل» ستقع عاجلاً أو آجلاً، وهو ما بات القادة «الإسرائيليون» يدركونه، ويعملون على الأقل من أجل تقليل خسائرهم في حال وقوع هذه المواجهة الكبرى.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"