تركيا والتسلل إلى ليبيا

03:15 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

ما يجري في المنطقة العربية الآن، يعيد إلى الأذهان تلك الحقبة التي أعقبت انهيار الإمبراطورية العثمانية، التي احتلت البلاد العربية لأربعة قرون من الزمن، التي أفلت شمسها مع نهاية الحرب العالمية الأولى، تاركة المنطقة العربية تغوص في مستنقع حقيقي من التخلف والضعف، الأمر الذي أدى إلى تكالب القوى الاستعمارية الغربية؛ لتقاسم التركة العثمانية، ونهب ثروات المنطقة.
لكن الفارق الوحيد بين الأمس واليوم، هو أن تركيا الحالمة بعودة إمبراطوريتها العثمانية، تصطف إلى جانب الدول الغربية، و«إسرائيل» الطامعة بثروات المنطقة وخيراتها، في ظل تشرذم وضعف عربي غير مسبوق، بعدما سُمي ب«الربيع العربي» الذي ركبت موجته قوى الإرهاب والتطرف، ولا سيما حركة «الإخوان المسلمين»، ومشتقاتها من أمثال: «القاعدة» و«داعش» و«النصرة» وغيرها من المسميات التي رفع أصحابها لافتات دينية، وشعارات، أدت إلى حرف الحراك الشعبي العربي عن أهدافه ومطالبه المشروعة؛ حيث دمرت تلك التنظيمات المتطرفة دولاً عربية عدة، وأغرقت المنطقة في بحر من الدماء.
وساعد هذا الواقع المؤسف، في فتح المجال أمام القوى الأجنبية، لاسيما في ظل اكتشاف ثروات جديدة؛ مثل الغاز الطبيعي، الذي تثبت الأبحاث وجوده بكميات كبيرة في شرق المتوسط؛ حيث احتدت المنافسة في البحث عن هذه الثروة تحت سطح البحر، ما يهدد بإشعال توترات كامنة.
ومنذ اكتشاف العديد من الأماكن التي تحتوي على الغاز في شرق المتوسط، تزايدت الأطماع «الإسرائيلية»، التي تطابقت أيضاً مع المطامع التركية، مع إعلان أنقرة عزمها القيام بعمليات تنقيب عن النفط والغاز قبالة سواحل قبرص، وهو أمر أثار القلق في أكثر من عاصمة شرق أوسطية وغربية، في وقت كانت فيه المطامع الأمريكية واضحة في النفط السوري أيضاً.
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار التسابق الغربي على الثروة النفطية الليبية، وقبلها ثروات العراق النفطية، نلاحظ أن تركيا التي تحلم ببعث إمبراطوريتها القديمة، رأت في الأجواء السائدة في المنطقة، المناخ المناسب، لتدخلاتها السافرة، التي تتماشى وكل المطامع الغربية والمصالح «الإسرائيلية» أيضاً.
وكما نفذت تركيا إلى داخل سوريا؛ عبر بوابة الأزمة السورية التي لعبت دوراً في إذكاء نارها، تحاول الآن التسلل إلى ليبيا، واستثمار ما يجري هناك في مصلحة أجندتها الاستعمارية الطامعة بخيرات المنطقة وثرواتها، مثلها في ذلك مثل كل القوى الغربية الأخرى، خاصة وأن منطقة شرق المتوسط من المناطق الغنية بالغاز الطبيعي.
وكما هو معلوم تعتمد تركيا، على استيراد الوقود بالكامل تقريباً؛ إذ تستورد 99 في المئة من استهلاكها من الغاز الطبيعي، و93 في المئة من استهلاك البترول، وتحصل على حاجاتها من دول مختلفة؛ كروسيا وإيران والجزائر ونيجيريا.
وباعتبار أن معظم اتفاقات الغاز بينها وبين الدول الأخرى تنتهي تقريباً بحلول عام 2022، تجد تركيا نفسها مضطرة للبحث عن مصادر أخرى، خاصة مع تغير المشهد السياسي، وتورطها في صراعات المنطقة، وتحديداً في سوريا.
ولذلك ترى تركيا، في ليبيا المصدر الأكثر قرباً، وأهمية؛ لسد حاجاتها من النفط والغاز، إضافة إلى مساعيها؛ لضمان نصيب لها من موارد الغاز الطبيعي تحت مياه البحر المتوسط.
والحقيقة أن السياسة الإقليمية التركية تجاه منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، والمنطقة العربية بشكل خاص؛ تمثل مأزقاً حقيقياً أمام أمن واستقرار المنطقة، خاصة في ظل المطامع التوسعية لتركيا، وعلاقتها المكشوفة بدعم العديد من التنظيمات الإرهابية، تحت غطاء ديني، وشعارات كاذبة.
ومن هنا يمكن فهم الاندفاع التركي نحو ليبيا التي تعتقد أنقرة أنها تمثل ساحة نفوذ مهمة ضمن الأجندة التركية؛ الرامية إلى بسط المشروع الإقليمي التركي في المنطقة، وهو مشروع أعلن أردوغان صراحة استعداده لاستخدام القوة لأجله؛ عبر إرسال قوات تركية إلى ليبيا.
أخيراً يمكن القول إن ما يجري الآن في المنطقة، وتحديداً على شواطئ المتوسط، يحمل نذر صراعات كبرى، قد تمتد لمسافات جغرافية وزمنية طويلة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"