من شروط المشاريع الإصلاحية

04:11 صباحا
قراءة 3 دقائق

هناك سوء فهم من قبل سلطات الدولة العربية من جهة ومن قبل قوى مجتمعاتها من جهة أخرى حول ما تعنيه عملية الإصلاح أو المشاريع الإصلاحية التي تطرح بين الحين والآخر، ذلك بأن الإصلاح هو آلية لغايات وبالتالي فهو ليس بنشاط نهائي ما بعده شيء آخر. الإصلاح يجب أن ينظر إليه على أنه مجموعة من النشاطات لتهيئة المجتمعات للانتقال إلى تحولات وتغييرات كبرى يؤمل الوصول إليها في نهاية مسيرة الإصلاح. أي أن الإصلاح هو سيرورة متنامية ومتراكمة ومتشعبة ومتغيرة هدفها تعديل وإصلاح النواقص والمحددات والأخطاء في المجتمعات من أجل إعداد تلك المجتمعات لتتقبل وتنتقل بصورة هادئة وسلمية إلى تحولات جذرية كبرى في مستقبلها المنظور.

من هنا فإن فترة الإصلاح يجب أن تكون فترة أخذ وعطاء، فترة مساومات وحلول وسط وخطوات متدرجة وعمل بنفس طويل، وأخذ في الاعتبار للتوازنات التي توجد قبل عملية الإصلاح. كل شيء، إبان هذه الفترة، يمكن المساومة عليه إلا التراجع في خطوات الإصلاح أو عدم اتساع مجالاتها التدريجي، ولكن المتقدم إلى الأمام بصورة دائمة.

في المجتمعات العربية التي عاشت قروناً طويلة حياة الاستبداد والتسلط يمثل التحول إلى المجتمع الديمقراطي كأهم هدف للمشاريع الإصلاحية، بل إن الديمقراطية أصبحت هدفاً رئيسياً متفقاً عليه لكل المشاريع الإصلاحية المطروحة في كل البلاد العربية من دون استثناء. والسؤال الجوهري هو ما هي النشاطات المفصلية التي يجب أن تكون من مكونات المشاريع الإصلاحية حتى يحق لأي مشروع إصلاحي منها أن يدعي أنه يصب في مجرى التحول الديمقراطي الجذري الحقيقي غير المظهري وغير المزيف؟ إذا كان لا بد من وضع النشاطات المطلوبة في قائمة أولويات فإن أبرزها ما يلي:

* أولاً، وجود عقد اجتماعي ما بين الدولة ومجتمعها في شكل دستور. ولما كان هذا الدستور حصيلة عقد بين الدولة ومجتمعها، فإنه لا بد أن يأخذ في الاعتبار مصالح الطرفين في شكل متوازن. والمهم في هذه الفترة أن يؤسس الدستور لحقوق المواطنين وواجباتهم

ويحدد التزامات الدولة ويؤسس لنظام

حكم قائم على عدالة القوانين والحريات والمواطنة وفصل السلطات الثلاث والعدالة الاجتماعية والاقتصادية، وأن تنفذ بنود الدستور بشكل عادل وواقعي. ومن شبه المؤكد أن الدستور سيحتاج إلى تعديلات لاحقة، وخصوصاً بالنسبة لنظام الحكم وقضايا الشرعية الدستورية، وذلك بعد وصول الدولة والمجتمع إلى مرحلة نضوج الديمقراطية وترسخها في المجتمع.

* ثانياً، من الضروري وجود تفاهم وانسجام بين القوى المستنيرة المعتدلة في الحكم وبين مثيلتها في المعارضة. إن وجود مثل ذلك التفاهم سيجر قاطرة الإصلاح إلى بر

الأمان وسيعزل القوى المتطرفة في كلتا الجهتين عن لعب دور سلبي ومخرّب إبان فترة الإصلاح.

* ثالثاً، سيكون من المستحيل على أي مجتمع الانتقال إلى الديمقراطية من دون أن يسبق ذلك ترسيخ وقبول للثقافة الديمقراطية. والثقافة الديمقراطية يجب أن تنساب في جسم الدولة لترسخ دولة القانون والشفافية ومناهضة الفساد والمحسوبية واحترام حقوق المواطنة والفصل الحقيقي للسلطات واستقلالها، ويجب أن تنساب أيضاً تلك الثقافة في جسم المجتمع للأخذ بالأساليب السلمية وممارسة فضيلة التسامح والابتعاد عن إعلاء شأن الولاءات الفرعية كالطائفية أو القبلية فوق الولاء للوطن وقبول التعددية السياسية وتبني الأساليب الديمقراطية في مؤسساته المدنية وفي مؤسسة العائلة.

ومن المهم بمكان أن تقبل كل إيديولوجيات المجتمع بالثقافة الديمقراطية كمكون من مكوناتها، عند ذاك يصبح الانتقال إلى الديمقراطية ليس فوقياً وإنما نابعاً من تربة المجتمع وبنيته التحتية.

الانتقال إلى الديمقراطية، عن طريق الإصلاح وليس الثورة، يحتاج إذاً إلى توافق ندي بين الدولة ومجتمعها، وإلى تعامل واضح وشريف بين الجهتين وابتعاد كلي عن الخداع أو محاولات التزييف أو اللف والدوران، وإلى أشكال كثيرة من الآليات الانتقالية المؤقتة، وإلى جو عمل هادئ وسلمي، وإلى، على الأخص، قوة ملتزمة من الطرفين تؤمن بعملية الإصلاح وتطورها على الدوام. عند ذاك، وعند

ذاك فقط، سنصل إلى مجتمعات عربية

متصالحة مع نفسها وقادرة على إبداع غايات ووسائل تجديدية في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة من دون أية هزات أو زوابع من مثل التي نشاهدها يومياً في حياتنا

العربية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"