الشقراوات

فنجان قهوة
04:57 صباحا
قراءة دقيقتين

اعتاد شعراؤنا القدامى على التغزل بذوات البشرة البيضاء، فقد كانوا يرون أن اللون الأبيض هو رداء الحسن ويقول أحدهم بيضاء قد لبست رداء الحسن فهو لجلدها جلد. وعبلة التي ذكرها عنترة بينما الرماح تنهل من الأجسام وبيض الهند تقطر دما كانت بيضاء البشرة، وكذلك ليلى التي طارت بلب المجنون، وبثينة التي فتنت جميل، وما أظن إلا أن خولة التي شغلت لبيد إلا بيضاء البشرة أيضا، وإن كان هو لم يذكر ذلك في شعره، وعشيقات امرؤ القيس بيضاوات، ولم يعشق عمر بن أبي ربيعة أي سمراء بدليل أنه لم يذكر السمراوات في شعره. ونزار قباني لم يكن يهتم كثيراً للون، فكتب ديوان شعر كاملاً للسمراوات، وتغزل بالشقراوات ذوات الشعر الذي يشبه حقول قمح لم تحصد، وبذوات البشرة البيضاء اللواتي تشبه شعورهن شلال الضوء الأبيض.

وعلى العكس من ذلك، فإن مطربينا غنوا للسمراوات، ابتداء من كارم محمود إلى عبدالحليم حافظ، وقليل جداً منهم غنى للشقراوات، كفهد بلان، ولكن معظم فتياتنا فتنهن الشعر الأشقر، فصبغن شعورهن به، ومنهن الفنانة نادية لطفي في صباها، وجاكلين التي ألحقت باسمها اسم مونرو، والفنانة مادونا التي جعلت شعارها: وتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم.

وأطرف دراسة عن الشقراوات صدرت في بريطانيا، وموضوعها: تأثير لون شعر المرأة على سلوكها، وقد خرجت الدراسة التي أجراها بيتر آيتون، أستاذ علم النفس في جامعة لندن، بنتيجة غريبة هي أن ذوات الشعر الأشقر لسن ناعمات كما نتصور، وإنما شديدات العدوانية، والفتيات اللواتي يصبغن شعورهن باللون الأشقر سرعان ما يتصرفن بعدوانية مثلهن. وتلوم الدراسة الرجال لأنهم يبدون اهتماماً كبيراً بالشقراوات دون غيرهن من النساء.

وبصراحة، أثارت الدراسة دهشتي، بقدر ما أثارت دهشة العلماء الذين أجروها، فمارلين مونرو كانت شقراء، وكذلك كل فاتنات السينما في هوليوود، ولكن العلماء الذين أجروا الدراسة برروا عدوانية الشقراوات بشيئين، أولهما أن الاهتمام الذي يبديه الرجال بالشقراوات يجعل الشقراء أكثر ثقة بنفسها، وإذا صادف أنها لم تحصل على هذا الاهتمام فإنها تصبح عدوانية، تماماً كالطفل المشاكس الذي يكسر الأواني للفت انتباه والديه. والسبب الثاني أن الشقراء لا تنظر إلى نفسها كحالة خاصة، وتعتقد أن الرجال يعاملون كل النساء الجميلات كملكات، كما يعاملونها هي، ولذلك فإنها لا تأبه بالامتيازات التي يمنحونها لها.

إضافة إلى ذلك، كشفت الدراسة أن الشقراوات أقل النساء تقدماً في الحياة الوظيفية، وأقلهن نجاحا في الوصول إلى المناصب الإدارية الكبيرة، مما يشير إلى أنهن يجدن صعوبة في التكيف مع أجواء العمل.

ويبدو أن النتائج التي توصلت إليها الدراسة صحيحة، فقد صبغت المذيعة فانيسا فيلتز شعرها باللون الأشقر، وقالت إن هذا اللون يلفت الانتباه أكثر، لكنها أضافت: بعد الصبغ أصبحت أكثر ميلا للعدوانية. وتعترف السياسية البريطانية آن ويدكومب، من حزب المحافظين: بعد صبغ شعري باللون الأشقر أصبح الناس يتكلمون إليّ بهدوء.

أبو خلدون

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"