الإنجازات المنقوصة

05:44 صباحا
قراءة 3 دقائق

منذ بضعة أيام احتفل مجلس التعاون الخليجي بذكرى مرور ثمان وعشرين سنة على إنشائه . ومن حق المجلس أن يحتفل ببقاء دفء الحياة في عروقه بينما غيره من المجالس، كمجلس التعاون العربي أو مجلس الاتحاد المغاربي، قد واراها الثرى بعد فترة وجيزة من ولادتها . وعليه فإن أكبر إنجاز للمجلس، أن يكون لا يزال موجوداً، وبقوة وفاعلية، في الحياة السياسية العربية .

من هنا تأتي أهمية الحديث عن بعض جوانب القصور فيه، من أجل أن يواجهها ويفعل شيئاً تجاها، بدلاً من الحديث عن إنجازاته التي مازالت متواضعة وغير كافية، وباختصار دعنا نبرز أهمها .

إن نظرة عامة متفحصة تبين أن المجلس لا يتعلم من أخطائه، ففي السياسة سمح المجلس منذ بضع سنوات لنفسه ان ينخرط في اللعبة الأمريكية تجاه العراق وهناك محاولات لجره مرة أخرى في لعبة امريكية أخرى بالنسبة للموضوع الإيراني . إذ في كلتا الحالتين لم يحاول المجلس أن تكون له نظرته المستقلة ومواقفه المختلفة الواضحة . وينطبق الأمر نفسه على موضوع الفوائض البترولية في دوله . فبعد كل طفرة في أسعار البترول، وقد زادت عن ثلاث طفرات، تدخل مجتمعات المجلس في حمى مجنونة في حقلي المضاربات العقارية ومضاربات الأسهم وتبني فقاعة مالية لا تلبث أن تنفجر في وجوه الجميع، ومع ذلك فإن المجلس لم يتعلم بعد ليضع سياسة مشتركة تمنع تنافس دولة في تلك المغامرات الخطرة وتجعل الفوائض المالية نعمة وليس نقمة .

والمجلس لا يهتم كما يبدو بقيمة الزمن، إن البطء في اتخاذ قرارات كبرى والتعثر في تنفيذها يوحي بأن أعضاء المجلس لا يعرفون أن الزمن الذي لديهم هو مطابق لزمن التواجد البترولي تحت أرضهم، وهو زمن محدود سينتهي بنضوب البترول .

والمجلس لا يريد أن يعود نفسه على التفكير الاستراتيجي المتكامل بشأن قضاياه الكبرى، ولذلك فأغلب قراراته تفرضها أحداث ملحة، وما أكثرها، أو تتعامل مع قضايا قطاعية لا تتناغم مع استراتيجيات كبرى .

والمجلس لم ينتقل لسد الكثير من جوانب القصور في تنظيمه، فحتى الآن لم تعين دوله وزراء أو وزارات لمتابعة شؤون المجلس وترك الأمر إلى إدارات في وزارات الخارجية، بينما هناك حاجة لتواجد وزراء يمثلون دول المجلس في الرياض ليحضروا كل الاجتماعات ويتابعوا تنفيذ كل القرارات في بلدانهم، والأدهى هو أنه حتى الآن لم يعط رؤساء الوزارات في دول المجلس أي دور في داخل المجلس، بينما المنطق يفرض أن يكون المجلس الوزاري في داخل مجلس التعاون مكوناً من رؤساء الوزارات وليس وزراء الخارجية، وذلك من أجل تنفيذ قرارات مؤتمر القمة بحزم سلطة فعلية يملكها رؤساء الوزراء ولا يملكها وزراء الخارجية .

والمجلس في أمور الاقتصاد لا يزال يحبو على ركبتيه، فما كدنا نتنفس الصعداء بعد الوصول الى توحيد التعرفة الجمركية حتى دخلنا في متاهات وصعوبات توحيد العملة، وبذلك بعدت المسافة بيننا وبين قيام السوق الخليجية المشتركة، وهو الهدف الذي يجب أن يتحقق قبل الحديث عن برنامج تنمية مستدامة متناسق يشمل دول المجلس جميعها ويرتكز على اقتصاد إنتاجي - معرفي لا تستطيع أية دولة من المجلس تحقيقه وحدها .

والمجلس ستكون لديه مشكلة كبرى في المستقبل مع موضوع التركيبة السكانية وطغيان العنصر الأجنبي غير العربي، وبالتالي التهديد المباشر لهوية مجتمعاته العربية واستقلال بلدانه . وبالنسبة لهذا الموضوع لا يريد المجلس أن يتخذ قرارات واضحة وملزمة لكل أعضائه ولكنه يترك للزمن حل مشكلة وجودية لا تقبل التأجيل .

ومع تشابك العلاقات الاقتصادية بين دول وشركات وأفراد المجلس ستقوم اشكاليات قانونية تحتاج الى مرجعية قضائية لحلها . لكن المجلس يرفض تكوين محكمة مشتركة على مستوى الأمانة العامة لحل تلك الخلافات في المستقبل .

وإذا أضيف موضوع الإصرار على عدم فك الارتباط بين العملات الخليجية، وقريباً العملة الموحدة، وبين الدولار الأمريكي، وذلك بالرغم من الخسائر الكبيرة التي تتكبدها مداخيل البترول بسبب الهبوط المتنامي للدولار، وترك الأمر مرة أخرى للزمن، إذا أضيف موضوع التباينات في سياسات دول المجلس تجاه الكثير من القضايا العربية وتجاه العدو الصهيوني وتجاه العديد من دول العالم وإذا أضيف كل ذلك، وغيره كثير، نستطيع الجزم بأن قادة دولنا يجب ألا يطمئنوا الى ما تحقق وأن يدركوا بأن المشوار الذي أمامنا طويل . إن شعوب دول المجلس تتطلع الى أكثر مما تحقق بكثير .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"