من هواجس الأزمة الأمريكية - الإيرانية

02:37 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

مؤشرات مواجهة محتملة بين إيران والولايات لا ترتفع ولا تنخفض. وهو ما يُبقي المنطقة أسيرة للتوتر، والترقب المشوب بدرجة عالية من القلق. من التطورات الأخيرة اللافتة ما سرى عن طلب الرئيس دونالد ترامب من مستشاريه ومن الكونجرس، مسوغات قانونية لاستهداف إيران بضربة عسكرية، وهو ما يعيد إلى الأذهان أجواء العام 2003 عشية الحملة العسكرية الأمريكية على العراق، حين جرى قبل ذلك مراكمة المسوغات والذرائع لتلك الحملة.
وبما أن المنطقة مرشحة لأن تكون مسرحاً أو جزءاً من مسرح لعمليات في أية مواجهة محتملة بين الطرفين، وبما أنهما يرغبان في مواجهات خارج حدودهما، فإن الهواجس تشتد في العديد من البلدان، حول ارتدادات تلك المواجهة المفترضة، ومن هذه البلدان العراق الذي يتوجس بالفعل من التصعيد، كما تدل تصريحات عديدة للمسؤولين فيه، وقد زاد من تلك الهواجس خروج الموظفين الأمريكيين «غير الضروريين» من السفارة الأمريكية في بغداد، وعودتهم إلى بلادهم بناء على تعليمات واشنطن.
ورغم عدم ترجيح وقوع الحرب في التقديرات العامة لمسؤولين عراقيين، إلا أن ذلك لا يحد من الهواجس. وخاصة مع التحذيرات الأمريكية المتعاقبة من مغبة استهداف المصالح الأمريكية في العراق تحت أي ظرف. وهو ما رد عليه مسؤولون في بغداد منهم مستشار الأمن الوطني فالح فياض بالقول «إن العراق أبلغ واشنطن بأن قدرته على ضبط كل الأمور داخلياً ستضعف مع أي عمل عسكري قد تشهده منطقة الخليج». وهي عبارة يراد بها الضغط على واشنطن لكبح جماح الاندفاع إلى المواجهة. غير أن العبارة المهمة لمستشار الأمن العراقي (كان مرشحاً لتولي رئاسة الحكومة قبل تولي رئيس الحكومة الحالي عادل عبدالمهدي منصبه) تدل من جهة أخرى على أن هناك في بلاد الرافدين من سيجد نفسه جزءاً من المواجهة لا خارجها. والمقصود الميليشيات ذات الارتباط الوثيق بإيران وعددها لا يقل عن 60 ميليشيا مسلحة!. ويترافق هذا التصريح مع حملات عراقية داخلية تدعو لخروج القوات الأجنبية من هذا البلد، من دون أن يتم احتساب الوجود الإيراني ضمن القوى الأجنبية. وهذه الحملات سابقة على نذر المواجهة بين إيران والولايات المتحدة، ويقصد بها خروج القوات الأمريكية، وهو مطلب داخلي يخص العراقيين، ومن حقهم التمتع بمقتضيات السيادة والاستقلال وخروج سائر القوى الأجنبية من بلادهم، لا بعض هذه القوى فقط.
وفي واقع الحال فإن المخاوف المشروعة التي يستشعرها العراقيون إزاء الأزمة الملتهبة بين واشنطن وطهران، يستشعرها غيرهم من دول وشعوب المنطقة. غير أن للعراق وضعاً خاصاً، كونه يحتضن وجوداً إيرانياً (بالأصالة والوكالة معاً) ووجوداً أمريكياً وتركياً. ومن المنطقي تصور أن تنعكس أية مواجهة أمريكية إيرانية على الوضع الداخلي العراقي. وهذه ضريبة قد يدفعها العراقيون (ويتمنى المرء ألا يدفعوها) نتيجة القبول الرسمي بنفوذ أجنبي تحت ذرائع ومسوغات شتى منذ العام 2003 وحتى أيام الناس هذه. بل هناك من يبشر بدوام هذا النفوذ وتوطينه، ويرى فيه ضمانة للسيادة والاستقلال!.
إن النأي عن أزمات المنطقة وتفادي ارتداداتها وانعكاساتها، يتطلب إقامة علاقات وثيقة مع دول الجوار والإقليم ومع المراكز الدولية، وفي الوقت نفسه الاحتفاظ بمسافة عنها، كي لا يتم استدخال الأزمات الخارجية إلى الداخل العراقي، والمسافة المقصودة هي بالضبط ما توفره وتحدده مقتضيات السيادة، وما يضمنه القرار الوطني المستقل الذي يضع الحقوق والمصالح الوطنية العليا فوق أي اعتبار، ويجعل هذه الحقوق والمصالح مُرشداً لكل السياسات، وضابطاً لكل التوجهات. وهو ما لم يحدث بصورة ناجزة منذ تغيير النظام الديكتاتوري السابق، ما حال دون نشوء الدولة الوطنية الحديثة، وتسبب بوقوع مشكلات لا حصر لها، ومن كل صنف ولون، مما يخبَره العراقيون جيداً، ومما يشكون منه ليل نهار.
وحسناً يفعل مسؤولون عراقيون بالتوسط بين واشنطن وطهران بغية تخفيف التوتر وإبعاد شبح أمريكية - إيرانية، تنذر بأوخم العواقب، ففي ذلك فائدة للعراق والمنطقة كما للطرفين المتنازعين، ولعل المسؤولين يبذلون جهداً مساوياً باتجاه تحسين الوضع الداخلي، وتلبية المطالب الشعبية في جميع المناطق، وتطوير التشريعات والقوانين بما ينسجم مع مستلزمات الأمن الوطني والسلم الأهلي، فأوضاع بلاد الرافدين ليست على ما يرام، اندلعت حرب أمريكية إيرانية أم لم تندلع هذه الحرب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"