عادي

العصيان المدني يضفي تعقيدات على حياة البسطاء في تعز

03:54 صباحا
قراءة 5 دقائق

توجت تداعيات العصيان المدني التي تهيمن على مظاهر الحياة العامة بتعز، مشهد الأزمة المعيشية والحياتية التي يعاني منها غالبية سكان المدينة، الذين انصرف معظمهم إلى الاستعاضة بالانشغال بالهم السياسي الذي فرضه الحضور الطارئ لفكرة الثورة السلمية ضد النظام القائم ،عن مكابدة عناء التفكير في تفاصيل الهموم المعيشية اليومية كنوع من الترحيل الاضطراري إلى ما بعد نجاح الثورة .

مواد القمح والأرز والسكر وحليب الأطفال واسطوانات الغاز المنزلي والزيوت النباتية للطبخ وغيرها من الاحتياجات العائلية الأساسية تحولت في مجملها إلى سلع يتعذر الحصول عليها، ويستدعي اقتناؤها في ظل الظروف الطارئة التي تعيشها المدينة ما هو أكثر إجهادا من مجرد التجوال في أسواق المدينة ومحلاتها، بعد أن انصرف معظم تجارها وأصحابها، ككل شيء بتعز، إلى المشاركة في الفعاليات الاحتجاجية والعصيان المدني كنوع من التأييد والتضامن مع ثورة الشباب بساحة الحرية .

حمّل الحاج عبدالله جازم عثمان الشيبة (54 عاماً) وهو أب لثمانية من الأولاد والبنات ويقطن منزلا متواضعا بالإيجار بحي باب موسى بتعز، بلغة عفوية الثوار بساحة الحرية والرئيس علي عبد الله صالح مسؤولية المعاناة اليومية التي بات يتكبدها بشكل مضاعف لتأمين المتطلبات المعيشية اليومية لأسرته الكبيرة .

ويقول: الرئيس لم يتنح حتى الآن ولا يبدو انه سيقوم بذلك قريبا، والمعتصمون في ساحة صافر بمديرية القاهرة لا يبدون أي قدر من التراجع عن مطالبهم، لا أحد في هذا البلد لديه استعداد للتنازل من أجل أن يعيش الناس بدون منغصات، ولم يكن ينقصنا إلا أن يغلق أصحاب المحلات والتجار محلاتهم لدعم العصيان المدني . حياتي وغيري = من المسؤولين عن أولاد أصبحت عذاباً وتعباً وضنكاً . وتساءل: أين نذهب؟، لقد أصبحت تعز مقفرة، ماذا أطعم أولادي؟، هل أطعمهم شعارات ثورية بدل الخبز والحليب .

ويبدي الحاج جازم تأييده لثورة الشباب بساحة الحرية واقتناعه بأهمية إحداث التغيير السياسي في البلاد، معبراً عن هذه القناعات بطريقته الخاصة والعفوية قائلا: أنا متعاطف مع المتظاهرين والمعتصمين بالساحة ومقتنع بضرورة أن يحدث تغيير في البلد، لكنني متضرر كعائل لأسرة كبيرة، لدي ثلاث بنات وولد لا يذهبون إلى المدرسة منذ أسابيع وأطفال صغار يبكون حينما يسمعون صوت الرصاص ولدي احتياجات ضرورية لمعيشة أسرتي لا أستطيع توفيرها بسبب الوضع في تعز والعصيان المدني وأيضا ارتفاع الأسعار . لست ضد الثورة ولا مع الرئيس صالح، لكن مشكلتي يعاني منها آلاف غيري ويجب أن تحل سريعا فإما أن يرحل الرئيس أو نرحل نحن الناس البسطاء المحايدين من البلاد ونتركها له وللمعتصمين بالساحات .

معاناة مستمرة

الزيادات الطارئة في أسعار معظم المواد التموينية واختفاء سلع ضرورية كاسطوانات الغاز المنزلي التي بلغ ثمن العبوة الواحدة منها ما يزيد على ستة آلاف ريال، مقارنة ب 1050 ريالاً في يناير الماضي، ومظاهر التصعيد الأمني المضطرد، إلى جانب التعقيدات الحياتية المزمنة التي تعاني منها تعز، وعلى رأسها مشكلة الجفاف وشح المياه الصالحة للاستخدام الآدمي، كل ذلك جعل الكثير من أهالي المدينة غير المنحازين لطرف أو آخر في معمعة الأزمة السياسية القائمة أو من يمكن وصفهم بالكتل البشرية المحايدة، يتعاطون مع ثورة الشباب الناشئة والمتصاعدة بساحة الحرية ضد النظام الحاكم باعتبارها سببا إضافيا لمعاناة مريرة أضفت المزيد من الضنك على حياة لاتنقصها التعقيدات والمنغصات .

يقول عبد المغني سيف الجابري، من أهالي مديرية القاهرة التي تحتضن حشود الثوار المعتصمين بساحة الحرية بتعز: تعز بدون ثورة واعتصامات تعاني، لكن معاناتها زادت أكثر، كل المواد التموينية زادت أسعارها إما بسبب خوف الناس من اندلاع حرب ولجوئهم لتخزين كميات من الأغذية، ما أثر على المعروض في السوق، أو لأن النظام نفسه يتعمد تعقيد وتصعيب حياة الناس عبر حجب بعض السلع الضرورية والإيعاز لتجار موالين أو عبر ممارسة الضغوط عليهم برفع الأسعار كي يتجه الغضب والسخط الشعبي تجاه المعتصمين وتحميلهم مسؤولية الأزمة التموينية في البلاد .

تداعيات استمرار الفعاليات الشعبية الاحتجاجية والاعتصامات بالساحات العامة، والتي تقترب من شهرها الثالث على التوالي، على ديناميكية الحياة والحركة اليومية العامة بتعز وغيرها من المدن، يبدو واضحا في تحول المدينة، خاصة عقب سريان حالة الطوارئ بموجب قرار جمهوري لا يزال مثار جدل حول دستوريته، إلى ما يشبه الثكنة العسكرية التي تتوزع في أرجائها وحدات مكثفة من قوات الحرس الجمهوري والأمن المركزي والشرطة والنجدة، الأمر الذي فرض قيودا طارئة ومشددة على حرية تنقل الأفراد والسيارات داخل المدينة وبين الأحياء والشوارع المختلفة وأضفى المزيد من التعقيد على مفردات الحياة اليومية لأهالي تعز .

يشير عيدروس حسن حيدرة (33 عاما) يعمل موظفا في إحدى المصالح الحكومية بتعز، إلى جانب من معاناته اليومية الناجمة عن تصعيد المظاهر الأمنية والعسكرية في المدينة وتواصل الاعتصام الاحتجاجي بساحة الحرية، إلى أن تعز مدينة صغيرة في مساحتها وشوارعها الرئيسة أشبه بأحياء فرعية في مدن أخرى كعدن وصنعاء، والمدينة قطعا لا تتحمل كل هذا الزحام والصخب الذي تشهده منذ أكثر من شهرين ونصف الشهر .

يضيف: استمرار الاعتصامات جعل تعز اقرب إلى معسكر للجيش والأمن وليس إلى مدينة تعرف باسم الحالمة . لقد اضطررت قبل أيام إلى الخروج ليلا فقط لجلب غرض من سيارتي المتوقفة قرب المنزل ولم استطع العودة إليه إلا بعد ساعة ونصف الساعة لأنني فوجئت بدورية تتوقف أمامي وتسألني عن سبب تواجدي في الشارع في هذا الوقت المتأخر من الليل، لم يصدقوا أنني خرجت فقط لجلب غرض من السيارة وبعد تحقيق وأخذ ورد اقتنعوا بمرافقتي إلى حيث اقطن على بعد خطوات، ولم يتركونني إلا حين طرقت الباب وفتح ابني لأدخل وعندها فقط انصرفوا . تصور أننا نعيش وسط تعقيدات كهذه وأن الأمر لم ينته بعد ويعلم الله وحده متى سينتهي وهل سينتهي على خير أم حرب واقتتال؟ .

نزوح قسري

التعقيدات الطارئة على واجهة المشهد الاجتماعي والمعيشي والأمني بتعز دفعت العديد من الأسر التي تقطن المدينة إلى النزوح القسري صوب العزل والقرى الريفية لتجنب مخاطر الانفجار المحتمل للأوضاع، نتيجة تشبث طرفي الأزمة السياسية القائمة بمواقفهم المتصلبة الرافضة للحوار أو فكرة التنحي الفوري عن السلطة . فيما لجأت الكثير من الأسر الفقيرة بتعز إلى الاستعاضة عن بعض الاحتياجات التموينية الضرورية التي اعتادت على شرائها جاهزة كأرغفة الخبز واسطوانات الغاز والمياه المعدنية وحليب الأطفال والبيض، باللجوء إلى تدابير منزلية معادلة من قبيل استخدام الأخشاب النباتية الجافة الحطب والفحم كبديل للغاز المنزلي في طهي الطعام وإعداد الخبز المحلي بواسطة التناوير اليدوية والتقليدية وتربية الدجاج البلدي للاستفادة من لحمه وبيضه .

يقول سعيد عبده فارع الحيدري (60 عاماً) يعول أسرة كبيرة ويقطن حي المنتزه بتعز: ما تعذر شراؤه من السوق فليس هناك بد من تركه والاستغناء عنه، وبالنسبة لي استشعرت أن الوضع سيزداد سوءاً في تعز نتيجة تصاعد العنف واستمرار الاعتصامات في ساحة الحرية، لذلك قمت بشراء دجاج بلدي وكمية من الحطب كومتها في فناء البيت . . زوجتي وبناتي يقمن بصناعة الخبز باستخدام التنور واعواد الحطب للطهي، وهذا خفف عني الكثير من الهموم والالتزامات .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"