لماذا تفشل البرازيل وينجح غيرها

04:03 صباحا
قراءة 4 دقائق
د . لويس حبيقة
من بين الدول الناشئة الكبيرة وخاصة ضمن مجموعة "البريكس"، وحدها البرازيل تعاني وربما دخلت في الانكماش أي انحدار الناتج المحلي الإجمالي لفصلين على التوالي . تألقت البرازيل في عهد الرئيس السابق "لولا دا سيلفا" مما سمح له باقتراح خليفته "ديلما روسيف" وفوزها بسهولة في الانتخابات . لم تكن النتائج الاقتصادية جيدة وبالتالي وجدت صعوبة كبرى في التجديد لفترة رئاسية ثانية بالرغم من مقتل منافستها الأساسية في حادث طائرة خلال الحملة الانتخابية . انتقلت البرازيل اقتصادياً وتدريجياً من دولة نمت بنسبة 5 .7% في سنة 2010 إلى نسب سلبية اليوم . لا شك أن السياسات الاقتصادية الخاطئة كما انفلاش الفساد كانا السببان الرئيسيان لهذه النتائج غير الباهرة في دولة غنية لكنها تعاني الكثير من توسع فجوة الدخل والثروة ومن انتشار الفقر القاسي .
عودة إلى الإحصاءات للتذكير بأن حجم رؤوس الأموال الخاصة التي توجهت إلى الدول النامية والناشئة ارتفع من 200 مليار دولار في سنة 2000 إلى ألف مليار دولار في سنة 2010 . أما حجم الأموال المتوجهة الى الأسواق المالية في الدول الناشئة، فارتفعت بنسبة 92% بين سنتي 2000 و2005 وبنسبة مدهشة وصلت إلى 478% بين سنتي 2005 و2010 . كبر حجم الدول النامية والناشئة وتعثرت أوضاع الدول الصناعية نتيجة الديون والانفاق غير المجدي . في الولايات المتحدة مثلاً وفي السبعينات من القرن الماضي، كان دولار إضافي واحد في الدين العام كافياً لرفع الناتج المحلي الإجمالي دولاراً واحداً . في الثمانينات والتسعينات، أصبحت العلاقة 3 لواحد وفي العقد الأول من القرن الجديد أصبحت العلاقة 5 لواحد نتيجة الإنفاق غير الإنتاجي وبالتحديد الإنفاق الاستهلاكي وغير الاستثماري .
لم تستطع الدول الناشئة الحفاظ على قوتها وبدأت مسيرتها تتعثر وإن يكن بطرق ودرجات مختلفة . المعلوم أيضاً، أنه من الصعب الاستمرار في تحقيق نسب نمو قوية عندما يرتفع مستوى المعيشة . عانت هذه الدول التضخم بسبب ضغط النمو، ومن أهم مساوئه ارتفاع أسعار العقارات وبالتالي عدم قدرة الطبقات الوسطى وما دون على استئجار أو شراء مساكن لهم ولأولادهم . الموضوع هنا ليس فقط مالي واقتصادي، بل خاصة خطر اجتماعي يهدد الاستقرار الضروري للنمو والتقدم والأمن .
من الصعب مقارنة البرازيل بالصين بل من الأجدى مقارنتها بالهند بسبب الفوضى المشتركة والضياع فيما يخص الرؤية المستقبلية بل حتى في الممارسة الإدارية للدولة . الثقافتان الهندية والبرازيلية متقاربتان كما يقول "روشير شارما" في كتابه "الأمم الواعدة" من نواح عدة كعدم احترام المواعيد وإطلاق الوعود المتسرعة والاتكال على العائلة .
تنفق البرازيل الكثير على الرعاية الاجتماعية والقليل على البنية التحتية، أي هنالك تشابه كبير مع الهند وقليل جداً مع الصين . بينما سعت الصين الى تحقيق النمو القوي المتواصل مهما كانت التكلفة، حافظت البرازيل على استقراراها الاجتماعي على حساب النمو . عانت البرازيل في الماضي كثيرا من الديون والتضخم والأزمات المالية، وبالتالي تعرف هذا الوجع وتحاول تجنبه مهما كانت الظروف . ليس هنالك تاريخ مقارن أو تجارب مشابهة مع الصين التي حافظت حكوماتها منذ الثورة على الهدوء والنظام في سبيل النمو . هنالك مؤشرات ثلاثة دولية سنوية رئيسية تصف الأوضاع في مختلف الدول وتسمح بمقارنتها فيما بينها . ففي مؤشر سهولة الأعمال الصادر عن البنك الدولي، تقع الصين في المرتبة 90 والبرازيل في المرتبة 120 والهند في المرتبة 142 مما يعني أن الإصلاحات مطلوبة في كل منها بحيث ترتفع الاستثمارات أكثر . تعديل القوانين في هذه الدول يأخذ الوقت الكثير بسبب وجود قوى نفوذ تسعى الى الحفاظ على مصالحها مهما كانت التكلفة . تعاني الصين مثلاً نقداً مرتفعاً اصطناعياً ونسب ادخار مرتفعة وفوائد منخفضة مما يجعل الاقتصاد الصيني في وضع غير متوازن بل غير مستقر . يمكن اعتبار البرازيل من أقل الدول الناشئة انفتاحاً بسبب سياسات الحماية المطلوبة سياسياً . إن تجاهل الواقع مع الوقت يخفف نسب النمو حالياً وفي المستقبل .
الميزان التجاري البرازيلي فائض والاستثمارات الأجنبية المباشرة هي في حدود 60 مليار دولار سنوياً وميزان المدفوعات فائض . ضمن هذه النتائج الإيجابية، كيف يمكن تفسير تحول الاقتصاد البرازيلي من النمو المقبول إلى السلبي؟
أولاً: يعتمد الاقتصاد البرازيلي على المواد الأولية في الانتاج والصادرات . المعلوم أن أسعارها سقطت منذ حوالي السنة وبالتالي تعاني البرازيل هذه الحقيقية .
ثانياً: نسب الادخار ما زالت منخفضة أي في حدود 17% من الناتج مقارنة ب 24% في التشيلي أو المكسيك . يشكل هذا الواقع ضغطا على الأسعار أي هنالك خطر دائم لاندلاع شرارة التضخم الكبير من جديد .
ثالثاً: تنفق البرازيل القليل على البنية التحتية والكثير على الضمانات الاجتماعية مما يعرض اقتصادها دائماً لخطر الانكماش . هذا يعني أن على الحكومة البرازيلية اعادة النظر في هيكلية انفاقها أي المزيد على البنية التحتية وأقل على ملاعب كرة القدم والرياضة عموماً بالإضافة إلى ترشيد الانفاق لمصلحة الفقراء وذوي الدخل المحدود . تبعاً لمؤشر الفساد العالمي، تقع البرازيل في المرتبة 69 مقارنة بالمرتبتين 85 للهند و100 للصين أي هنالك حاجة في الدول الثلاث لمحاربة الفساد بالوسائل الادارية والسياسية والقانونية قبل الأمنية .
رابعاً: هنالك شعور عام في البرازيل من ناحية مستوى التعليم حيث في مؤشر الجودة، وقعت في المرتبة 108 على 144 دولة جرى تقييمها . في مؤشر التنافسية الدولية تقع البرازيل في المرتبة 57 مقارنة بالمرتبتين 28 للصين و71 للهند .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"