"خيبة أمل" وإحباط أيضاً

03:44 صباحا
قراءة 4 دقائق

ثلاث قضايا عملية سنتناولها من نتائج الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي اختتمت الأحد الماضي في واشنطن . الحوكمة، ووجوب التنسيق بين الدول في شأن سياساتها النقدية والمالية والموقف من المشتقات المالية ومخاطرها على الاقتصاد العالمي . ذلك أن القضايا الأخرى المتصلة بتوقعات النمو والدين ومساعدة الدول الإفريقية لمواجهة وباء إيبولا وغيرها، تبقى تقليدية من طبيعة عمل المؤسستين، وعرضة للمراجعة زيادة أو نقصاناً . ولا ترتب التزامات لا على الصندوق والبنك، ولا على الدول ال 188 الأعضاء فيهما .
أولاً: الحوكمة: في مقال سابق في "الخليج" (5-10-2014) كتبنا عن نظام الحوكمة في صندوق النقد والبنك الدوليين، بتركيز على الأول من جانب الاختلالات الناجمة عن آلية الحكم في المؤسستين واستفراد الولايات المتحدة خصوصاً، ودول الاتحاد الأوروبي عموماً بسلطة القرار، تبعا لتوزيع إسهامات تلك الدول في رأسمال الصندوق والبنك، وحقوق الحصص والتصويت المرجحة بمعايير لا قِبل ل 183 دولة من الدول الأعضاء على اختراقها .
اجتماعات واشنطن أتت لتؤكد المؤكد . فبينما كان يفترض البت في تعديلات على نظام الحوكمة وتوزيع حصص التصويت، تبدى أن الولايات المتحدة لم توافق عليها بعد . "لجنة الشؤون النقدية والمالية الدولية" في الصندوق، التي اجتمعت لهذه الغاية "شعرت بخيبة أمل بالغة للتأخير المستمر في المضي قدماً بإصلاحات نظامي الحصص والحوكمة في الصندوق والتي سبق الاتفاق عليها في عام ،2010 ولإجراء المراجعة العامة الخامسة عشرة للحصص والتي تشمل وضع صيغة جديدة للحصص" . تابع البيان: "لا يزال تنفيذ الاصلاحات هو أولويتنا القصوى . ومن ثم فإننا نحث الولايات المتحدة على المصادقة على هذه الإصلاحات في أقرب فرصة ممكنة . ونحن ملتزمون في الحفاظ على مستويات قوية وكافية من الموارد المتاحة للصندوق . وما لم تتم المصادقة على إصلاحات عام 2010 مع نهاية العام، فسوف ندعو الصندوق إلى البناء على جهوده الحالية والتأهب لوضع بدائل للخطوات المقبلة ثم نحدد موعداً لمناقشة هذه البدائل" . وحددت اللجنة 17 نيسان/إبريل 2015 و18 منه موعداً في واشنطن لاستئناف مناقشة التعديلات المقترحة . "خيبة أمل" اللجنة النقدية والمالية التي تضم عددًا كبيرًا من الدول، قد تتحول إحباطاً إذ نعلم أن الولايات المتحدة في وسعها تأبيد هذا الوضع الشاذ . ومن المشكوك فيه تقديمها تنازلاً ملموساً . علماً أن موافقتها على تعديل نظام الحوكمة يبقي على "العصمة" في يدها ويد حلفائها الاوروبيين .
ثانياً تنسيق السياسات النقدية: شددت اللجنة النقدية والمالية على أهمية تنسيق السياسات النقدية "وإبلاغ معلوماتها بوضوح للأطراف المعنية، مع توخي الدقة في ضبط التداعيات السلبية والتداعيات المرتدة . وأن يعود بالنفع على الاقتصاد العالمي" . بيان اللجنة كان يتحدث عن سياسات التيسير النقدي التي قامت بها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي لحفز النمو الاقتصادي . ولا تبدو حسابات حقل الصندوق مطابقة لحسابات بيدر تلك الدول . الولايات المتحدة قلصت السيولة التي تضخها في الاسواق الى 15 مليار دولار أمريكي من نحو 83 ملياراً شهرياً . وقد تنهي برنامجها في نهاية 2014 بعد تحسن النمو وتراجع البطالة . ما نبهت اليه اللجنة النقدية والمالية للصندوق جاء متأخراً . الاستثمارات التي استقبلتها الدول الناشئة نتيجة البرنامج بدأت في الخروج منها بعشرات المليارات وتتحمل وزر ذلك . دول الاتحاد الاوروبي الرئيسية لاسيما منطقة اليورو المهددة بالركود ما زالت تعتمد سياسة تيسيرية بفوائد أقرب الى الصفر مدفوعة بالنمو السلبي للتضخم . ومن غير المعلوم انعكاس تلك السياسة على اقتصادات شركاء اوروبا حين ارتداد الكتلة النقدية التراكمية . وأوصى البيان "بتوخي سلامة الاقتصادات الكلية والتعامل مع المخاطر" . وكان أجدى لو استبق البيان إجراءات التيسير النقدي الأمريكية والأوروبية، وليس بعد بدء الحصاد . لماذا لم يحصل ذلك؟ ببساطة: لأن "العصمة" في الصندوق للولايات المتحدة وحلفائها . أما "الاندماج وترابط الاقتصاد العالمي وتنسيق السياسات الكلية" فشعارات على مذبح المصالح الحيوية!
ثالثاً: المشتقات المالية: وقت كانت اللجنة النقدية والمالية في الصندوق تعد بيانها، وتطالب "بإصلاحات النظام المالي بشكل عاجل ومتسق لمعالجة مشكلة المؤسسات الأكبر من أن تفشل"، (في إشارة الى المصارف العملاقة التي تسسبت بأزمة 2008 وأنقذت من مكلفي الضريبة) كان يحصل امر مريب في النظام المصرفي العالمي . الهيئة الدولية للمقايضات والمشتقات المالية "إيسدا"، التي تضم أكبر المؤسسات المصرفية الأمريكية والأوروبية والآسيوية، أعلنت التوصل إلى "اتفاق لتعديل قواعد عمل السوق لاجتناب أن يؤدي إفلاس احد المصارف او المؤسسات الاستثمارية إلى انهيار النظام المالي العالمي" . على غرار ما حصل مع مصرف ليمان بروذرز . ويتم ذلك بقبول المصارف الكبيرة التخلي عن "بعض الحقوق في صفقات التراضي، من خلال تعليق إلغاء العقود بشكل آلي من أجل الحد من التأثير المدمر للمصارف الكبرى" .

عصام الجردي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"