الإنسانية تستعيد بعض العافية

05:45 صباحا
قراءة دقيقتين
يحيى زكي

منحنا فيروس «كورونا» على مدار الأشهر القليلة الماضية، فرصة لكي نغير من أساليب تلقينا وتعاملنا مع الصور الذهنية النمطية التي تشكلت على مدار عقود طويلة، عبر وسائل الإعلام والمنتجات الفنية والآليات الثقافية المختلفة، فهناك بعض الشعوب التي واجهت حكوماتها صعوبة في إقناعها بالإجراءات الصحية، ووجدنا أن النظافة الشخصية مسألة ترتبط بالعادات والتقاليد أكثر من الوضع المادي، وقرأنا عن مشاكل في توفير المياه النظيفة بشكل منتظم في بعض الدول المتقدمة، ورأينا نقصاً فادحاً في المعدات اللازمة لوقاية البشر في بلدان رأسمالية كبرى، ونقداً لاذعاً لأنظمتها الصحية.
كشف «كورونا» مفاصل عدة في الحياة الحقيقية للشعوب، وساعدنا لكي نتعرف إلى واقع البشر من دون أي تجميل، واختبر مقولات سياسية عالمية راسخة، وفتح الباب واسعاً أمام عدة أسئلة متعلقة بالعلم ووعوده، ودفعنا لكي نلتفت إلى مهن جديدة، كنا نتعامل مع أصحابها في المناسبات الخاصة.
وضع «كورونا» أفكاراً ورؤى كثيرة على المحك، وسيدفعنا إلى مراجعة النفس مرة تلو أخرى في ما يصدر لنا من صور مبهرة عن الآخرين، أو يقال من وعود، أو يطرح من تصورات، فهل لا يزال الغرب بمركزيته في الفكر العربي المعاصر، نموذجاً مبهراً ينبغي السير على خطاه، وتقليده في كل شيء؟، في السياسة والثقافة والسلوكيات..
ف«كورونا» لم يُظهر لنا خللاً في البنى السياسية والصحية في بعض البلدان فحسب؛ ولكنه أوضح تمايزات لا سبيل إلى تجاوزها، مثل تناقض الرؤية لكبار السن بين هنا وهناك، التي ترتب عليها اختلاف في التعامل والدعم والرعاية.
لن يشهد عالم ما بعد «كورونا» إعادة تشكيل الخرائط أو توزيع الأفكار، وربما لن يتغير أي شيء على الأرض، ولن تزول مصطلحات مثل «الشرق والغرب»، «الشمال والجنوب»، «التقدم والتخلف» من خطابات الساسة والمحللين، وسيظل الغرب في وعينا هو معيار التحضر، ونموذج النهضة، ولكن «كورونا» ربما منح كثيرين «نعمة الشك» التي تحدث عنها أكثر من فيلسوف. فالأزمات تتيح للإنسان فرصة لكي لا يكون مجرد ورقة بيضاء يرسم فيها الآخرون ما يحلو لهم، فقد وهب «كورونا» البعض برهة للتفكير في ما يدور حولهم بعمق، وبحس إنساني يمنح الأولوية لحياة البشر من دون تعصب أعمى لأي أيديولوجيات تهيمن على خيال من يطرحها وتوجه عقل من يقرأه أو يتابعه أو يؤيده.
علمتنا أزمة «كورونا» أن نهتم بالآخرين من خلال متابعة أخبار حياتهم الواقعية لا المزيفة أوالمصنوعة، وشعرنا بأن الإنسانية على الرغم من الوباء تستعيد بعض عافيتها، فالصحة الحقيقية تتمثل في بشر لا يهمهم إلا الإنسان، بغض النظر عن الدين والعرق والطبقة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"