وثيقة تبدد ظلام وظلم الظلاميين

03:13 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

سطّرت وثيقة أبوظبي للأخوّة الإنسانية بمداد من محبة متبادلة بين الكنيسة الكاثوليكية والجامع الأزهر وفي رحاب دولة الإمارات العربية المتحدة أرض التسامح ومهده، التي احتضنت اللقاء التاريخي في هذا الحوار الخلاق الداعي للتآخي بين بني الإنسان المؤمنين بالخير والأعمال الصالحة لخدمة البشرية جمعاء، وتغليب الخلق الكريم على المطامع الدنيوية وترسيخ مبدأ التسامح بين بني البشر والعقائد والأديان.
إن الوثيقة التي وقعها إمام الأزهر الشيخ أحمد الطيب والبابا فرنسيس جاءت ناطقة باسم من وصفتهم «بالفُقَراءِ والبُؤَساءِ والمُهمَّشِينَ والأيتامِ والأَرامِلِ، والمُهَجَّرينَ والنَّازِحِينَ من دِيارِهِم وأَوْطانِهم، وكُلِّ ضَحايا الحُرُوبِ والاضطِهادِ والظُّلْمِ، والمُستَضعَفِينَ والخائِفِينَ والأَسْرَى والمُعَذَّبِينَ في الأرضِ»، فهذه الوثيقة في الأخوة الإنسانية هي التي جسدت أحوال هذه الشرائح من المجتمع الإنساني، والتي تعاني من ويلات التعصب الأعمى والحروب والفتن ومن التمييز والتهميش. وقد أكدت الوثيقة على أن الأديان لم تكن داعية للعنف وإراقة الدماء، بل داعية للتسامح والسلام بين المؤمنين والبشرية جمعاء، وحثت الوثيقة على تبني ثقافة الحوار طريقاً، والتعارف المتبادل نهجاً، ودعت قادة العالم، وصناع السياسات الدولية، والاقتصاد العالمي إلى اعتماد فلسفة في الحكم والإدارة ترتكز على نشر روح التسامح، وثقافة الاختلاف، والسلام، والتدخل الفوري لإيقاف سفك الدماء، ووقف الحروب والصراعات والتراجع المناخي، والانحدار الثقافي والأخلاقي.
ونددت الوثيقة بالتشدد والإرهاب والفقر، ‏داعية العالم أجمع إلى ‏التكاتف من أجل التوصل إلى حلول. وطالبت بوقف استخدام الأديان في تأجيج الكراهية والعنف والتطرف والتعصب. وقد جاءت الوثيقة نتاج صلوات متزامنة للبابا فرنسيس وشيخ الأزهر لتؤكد مجدداً أن التعصب باسم الأديان لا علاقة للأديان به ولا بالخلق الإنساني الذي فطر الإنسان عليه. وتكمن أهمية الوثيقة في دعوتها إلى التسامح والمحبة وسط مناخ اختلقته جماعات وجهات وبعض الدول في الغرب والشرق لاستخدام الأديان في غير محلها وتأطيرها في إطار مرعب هي بعيدة عنه وعن جوهر روح المحبة والسلام التي يتمسك بها دعاة الخير والعمل الصالح المشترك بين مختلف الملل والعقائد.
ولعل ميلاد هذه الوثيقة على أرض دولة الإمارات وبرعاية قيادتها المتسامحة يعطي للإمارات قصب السبق ليس في مجال الدعوة للتسامح فقط بل في نشر الوعي به وبروح الأديان، والأخوة بين بني الإنسان، والخلق الكريم، لأن مضمون الأديان هو تهذيب السلوك الإنساني وضبط العلاقات بين بني البشر لتكون مترفعة عن الصغائر ومنسجمة مع الهدف الذي خلق سبحانه وتعالى الإنسان من أجله وهو العبودية للخالق وعمل الخير لتعمير هذه الأرض.
إن التسامح هو النبض المحفز للإنسان لكي يبدع ويتفرغ لخدمة البشرية بمعزل عن مشاعر البغضاء والحقد والتعصب، وهي مشاعر هدامة، تهدم ولا تبني وتقتل ولا تحيي وتدمر ولا تعمر. وقد ركزت الوثيقة على عدد من النقاط المهمة، أبرزها ‏التأكيد على أن الأديان لم تكن قط مثيرة للعنف وإراقة الدماء، كما أكدت على ضرورة الدعوة للسلام العالمي والعيش المشترك، وتبني ثقافة الحوار طريقاً، والتعارف المتبادل نهجاً.
إن المبادئ التي استندت إليها الوثيقة التاريخية هي أبلغ رد على دعاة الفتن والتعصب من جماعات تستتر بالدين وأحزاب فاشية شعبوية بدأت تروّج لسياسات من منطلق عنصري وتعصب لكره الآخر وبث الحقد والكراهية ضد الرأي الآخر والمعتقد الآخر. فالاختلاف بين بني البشر ليس مدعاة للحقد بل مدعاة للتنوع الفكري والحوار والتفاهم على قاعدة أن الإنسان محترم بعقله وفكره، ونفسه مصونة دينياً ويحرم قتل النفس التي حرم الله.
ولعل استسهال القتل سواء من دول وجماعات وأحزاب جعل المشاعر الدينية الحقة تتلاشى تحت ظلام الظلاميين وظلم الظالمين، لكن يبقى هناك دوماً من يعمل من أجل بث الوعي بالأخلاق والمبادئ الإنسانية التي تضمنتها الأديان والعقائد، ويكون فضيلة شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان من رواد هذه المبادرة لخدمة الإنسان وتنقية الأفكار من الإرهاب والتعصب، وستكون دولة الإمارات السباقة تاريخياً لاحتضان هذه الفكرة، فكرة الأخوّة الإنسانية والتسامح.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"