المياه العذبة والعبث بالبيئة

03:31 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبدالعزيز المقالح

ليس هناك ما يمنع غير المتخصصين في مجال العلوم من متابعة ما يستجد في عوالمها الواسعة من إنجازات وما يصل إليه العلماء من كشوفات إيجابية وسلبية خاصة ما يتعلق منها بالأرض ومن عليها من مخلوقات بشرية وغير بشرية، وما يلحق بهذه الأرض من أخطاء الإنسان أو من غضب الطبيعة. وقد دأبت - منذ فترة طويلة وفي حدود الإمكانات - على متابعة ما يصدره العلماء من تقارير تلامس واقع الإنسان وبيئته المعرضة للتغيرات المتلاحقة.

وكان آخر هذه التقارير العلمية عن المياه العذبة وما تتعرض له من استنزاف واستهتار وعن اقتراب نفادها خلال أقل من ربع قرن وبالتحديد في عام 2050م، وهو زمن غير بعيد وفي عمر شاب في الرابعة أو الخامسة والعشرين، وسنأتي إلى هذا الموضوع بعد أن يخرج قليلاً إلى موضوع آخر لا يبعد كثيراً عن حال المياه العذبة وندرتها وإساءة التصرف في كمياتها القليلة وما يترتب على ذلك من عطش قادم للإنسان والحيوان والنباتات.

وبالصدفة وحدها ليس غير، أتيح لي أن أربط بين موضوع التقرير العلمي عن المياه العذبة وزيارة قصيرة قمت بها قبل ساعات من الإطلاع على التقرير المشار إليه، وكان ذلك في صباح يوم ممطر لا شمس فيه، وكانت الزيارة إلى «المركز اليمني للاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية» وهو مركز على درجة عالية من النظام والدقة، وقد أدهشني ما يقدمه من جهد في ظروف بالغة الصعوبة بالنسبة لنا نحن في هذا الجزء النائي من الوطن العربي. ومن بين المعلومات الدقيقة التي تزودت بها من هذا المركز أن المياه العذبة في العالم لا تزيد على 3% فقط، وأن 1% فقط هو الصالح لشرب الإنسان أما الباقي فيذهب لتشغيل المصانع وتنظيف المدن التي تتسع عاماً بعد عام وتحتاج إلى المزيد من المياه الصالحة وغير الصالحة للشرب. ويبدو أن هذه النسبة التي هي 1% كانت في أزمنة سابقة كافية فقد كان استخدامها معقولاً وفي نطاق الحاجة التي كانت بدورها محدودة.

وقبل أن أعود بالقارئ إلى التقرير العلمي الخاص بقرب نفاد المياه العذبة أود أن أشير إلى أن «المركز اليمني للاستشعار» مدهش لزائره، ليس بما يؤديه من خدمات علمية وإنما بنظامه وبالمكان الذي اقيم فيه، وهو ما يجعلك تشعر منذ دخولك إلى حدائق مبناه أنك لست في صنعاء ولا في اليمن، ومن حسن الحظ أن القائمين عليه مجموعة أو بالأحرى عدد من الشباب المؤهلين علمياً وأن جزءاً من مهامهم تدريب العشرات من الطلاب للالتحاق بالمراكز المماثلة والخالية من الكوادر المدرّبة. وقد أسعدني الدخول إلى فصول الطلاب والحديث إليهم وعرفت مدى تعطشهم للمعرفة ورغبتهم في أن يكونوا على درجة عالية من التأهيل تمكنهم من خدمة وطنهم في أي فرع أو مجال من المجالات الحيوية المتعلقة بالأنشطة الفضائية والأرضية واستخدام أحدث وسائل التقنية إذا ما توفرت في الجهات التي سيعملون بها بعد استكمال تدريبهم وحصولهم على شهادات التخرج.
من أهم الأسباب التي يشير إليها التقرير العلمي عن قرب نفاد المياه العذبة سبب رئيس، وهو النظام الغذائي المتبع في الغرب (أوروبا وأمريكا) والذي يتركز على اللحوم كمادة غذائية أساسية، فقد أوضح التقرير «أن اللحوم تتطلب مياهاً عذبة أكثر بكثير من اتباع نظام غذائي نباتي لأن كل حيوان يتطلب أطناناً من المحاصيل مثل الذرة وفول الصويا التي تحتاج آلاف الجالونات من المياه لزراعتها» ولأول مرة تتولى التقارير العلمية تبرئة الفقراء من العبث بالبيئة والتأثير على مصادر المياه، والاعتراف بأن الأغنياء وحدهم هم الذين أفسدوا الأنهار بعوادم المصانع وأفسدوا الفضاء بعوادم الكماليات الترفيهية، وأفسدوا حياة البشر بأطماعهم التوسعية التي باتت لا سقف ولا حدود لها. والمحزن أن العقاب في قضية نفاد المياه العذبة شامل ولا يخص المسرفين في مآكلهم ومشاربهم فقط، إنه يمس كل أبناء المعمورة، هؤلاء الذين سيتعرضون للعطش، ويعاقبون على ذنب لم يرتكبوه ولم يشاركوا في اقترافه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"