ما ينقص مؤتمرات القمة

05:12 صباحا
قراءة 3 دقائق
أية مؤسسة تلك، خصوصاً إذا كانت مفصلية في حياة الناس، التي ما إن يعلن عن قرب اجتماع لها حتى يفجر اجتماعها سيلاً من الأسئلة أكثر بكثير مما يقدم من أجوبة؟

هذا هو حال مؤسسة مؤتمرات القمة العربية، فقبل كل اجتماع لها يتساءل الناس عما لا تستطيع القيام به وعن المحددات التي تمنعها في هذا المجال أو ذاك أكثر مما يتساءلون عما تستطيع إنجازه.

وهذه ظاهرة أصبحت تؤكد أن الشكوك حول قدرات مؤتمرات القمة العربية هي السائدة، وأن الاطمئنان الى نجاعتها وفائدة مداولاتها قد أصبح شبه معدوم عند الناس كافة. ولو أدرك قادة الدول العربية الجانب الكارثي في هذه الظاهرة السياسية البالغة الخطورة، ظاهرة فقدان الثقة، لتوقفوا عن التعامل مع مؤسستهم بهذه الخفة المحيرة التي تحمل أخطار تحوّل هذه المؤسسة الحيوية إلى مظاهرة علاقات عامة إعلامية دورية، وذلك بدلاً من كون اجتماعاتها مناسبات لمواجهة قضايا الأمة الكبرى.

ومن المؤكد أن معظم المسؤولين يعرفون جيداً أهمية الثقة في كل مناحي الحياة. فإذا كان مدربو فرق كرة القدم يفقدون بريقهم ووظائفهم بمجرد أن يخسر فريقهم مباراة مفصلية واحدة، فكيف الحال مع قادة الحياة السياسية إن فقدوا ثقة من يقودون في ألف مباراة سياسية واقتصادية مفصلية، خصوصاً إذا حدث ذلك أمام إعلام عولمي مفتوح الأذنين والعينين، وهو الذي لن يرحم الفاشلين حيثما يكونون؟

ونذكّر هنا بالمثل الذي يقول: لا تثق قط في إنسان لا يعرف إلا مدح الآخرين. ولذلك فالعاقل منا لا يستطيع أن ينضم إلى صفوف المادحين لهذه المؤسسة. فأحوال الأمة قد أصبحت لا تطاق، بينما تعجز حكمة أعضاء هذه المؤسسة عن حلحلة أية مصيبة وعن الخروج من أية كارثة.

هل نبدو قساة في حكمنا هذا؟ الواقع مع الأسف يجيبنا بكلمة كلا، فها أن قضية فلسطين تشير إلى قرب وصولها إلى مرحلة الكارثة الكبرى، وها أن السودان يطارد رئيسه كما يطارد المجرمون وتتقطع أوصاله، وها أن مستقبل العراق لا يزال غامضاً بالنسبة إلى وحدته واستقلاله وعروبته ودينه، وها أن مشروع الاتحاد المغاربي يتمزّق ويضحّى بمصالح ثمانين مليوناً من مواطنيه بسبب خلافات لا تنتهي حول بضعة ألوف من سكان الصحراء، وها أن الجامعة العربية تبقى ضعيفة ومشلولة الحركة من دون أي علاج لعللها، وها أن المليارات من أموال العرب قد ضاعت في مؤسسات الأغراب عبر العالم كله بينما يجوع ويعرى الملايين منهم، وها أن أمل العرب في الاستفادة من حقبة البترول تنساب من بين أيديهم بسبب قلة الحيلة، وغيرها كثير.

ها أن كل ذلك يحدث، بينما لا يلمس الناس أمام هذه الأهوال إلا الدوران حول المسائل وتأجيلها من سنة إلى أخرى، وإلا تغليب المصالح القطرية، وإلا غياب الإرادة المشتركة الجامعة، وإلا انعدام فضيلة الشجاعة، وإلا الشلل في الانتقال من القول إلى الفعل. والواقع أنه لا توجد مؤسسة في الدنيا تقبل أن تبقى نفس المواضيع على جدول أعمالها طيلة نصف قرن، بل لا تتعب من إضافة مشكلات جديدة إلى جدول أعمالها في كل عام لتنوء تحت حمل وعجز جديدين.

إننا نعلم بأن مؤسسة القمم العربية مصابة بنواقص كثيرة، لكن أكثر ما تفتقده هذه المؤسسة هو فضيلة الشجاعة، وهي إحدى الفضائل التي من دونها لا تتحقق في الواقع الكثير من الفضائل الأخرى. والكاتب الفرنسي أندريه كونت-سبونفيل يقول: من دون الحصافة تصاب الفضائل الكبرى بالعمى، ومن دون الشجاعة تصبح الفضائل عديمة الجدوى. من هنا فإن إدعاء أن مؤسسة العرب الكبرى تمارس متطلبات القيادة السياسية الفاضلة للوطن العربي سيبقى إدعاء بلا معنى، حتى يثبت أن فضيلة الشجاعة تمارس في اتخاذ كل قراراتها.

بصراحة، لقد تعب الناس من رؤية هذا العجز في مؤسسة لا يحترمها الكثيرون.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"