عادي

خبراء في أيام الشارقة التراثية: تعايش التراث والتطور ممكن

19:37 مساء
قراءة 6 دقائق
توقيع كتاب موزة الغفلي
حارة الخبازين
حارة الخبازين
حارة الخبازين
مركز التراث العربي
التراث والإبداع المفهوم والسياق
توقيع كتاب بنات واق واق

ضمن سلسلة الجلسات الثقافية في مهرجان أيام الشارقة التراثية المقامة في قلب الشارقة إلى 22 مارس/آذار الحالي، عقدت جلسة نقاشية تحت عنوان «الإبداع والتراث من حيث المفهوم والسياق»، تحدث فيها د. عبدالعزيز المسلم، رئيس معهد الشارقة للتراث رئيس اللجنة العليا المنظمة للحدث، ود.ماجد بوشليبي، الأمين العام للمنتدى الإسلامي بالشارقة، ود.أحمد بهي الدين، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب.

تضمنت الجلسة التي أدارها د.مني أبو نعامة، مدير إدارة المحتوى والنشر في المعهد، مقاربات مختلفة في الحديث حول العلاقة بين التراث والإبداع من حيث السياق والموضوع.

المسلم ذكر أن شعار الدورة الحالية لأيام الشارقة التراثية والمتمثل في «التراث والإبداع» يحتم طرح ومناقشة تساؤلات مهمة ومعمقة حول تطبيقه وكيفية سبر أغوار العلاقة القلقة بينهما، على اعتبار أن الكثير من الباحثين والعاملين يضعون خطاً أحمر يمنع تطوير التراث من خلال الإبداع كمفهوم وأسلوب وممارسة، ويرون أن إقحام الإبداع في الشأن التراثي يؤدي إلى نسف كينونة ومكانة التراث.

وأشار المسلم إلى أن «الآباء والأجداد اعتمد أسلوب حياتهم على استخدام العديد من الوسائل التقليدية والمقتنيات القديمة في البيوت والمزارع والسواحل، إلاّ أنهم لم يغلقوا الباب أمام الأدوات الجديدة والمواد الخام التي تساعدهم في تطوير حياتهم وتحقيق المنفعة لهم، فمثلاً، تطورت حبال السفن من الألياف البسيطة المصنوعة من سعف النخل (الليف) إلى حبال الكومبار التي كانت تستورد من شرق إفريقيا وصولاً إلى استخدام حبال النايلون، وكذلك الحال في الشباك المعدنية (القراقير)، التي كانت تربط بالعلاّقة المصنوعة من كرب النخل بهدف إنزالها إلى الماء، وبمرور الوقت استخدمت مادة الفلين بدلاً منها، وينطبق الحال نفسه على إعادة استخدام الأزياء والملابس التراثية القديمة، والعادات والتقاليد الاجتماعية المتوارثة». ولفت إلى إمكانية قبول استخدام المواد الخام الجديدة لأهداف وظيفية، دون إلغاء الأصل، وهو ما ينطبق بصورة مقارنة في تطور الحرف التقليدية والأدب الشعبي، وكذلك الفنون التشكيلية التي مرت بأطوار ومراحل عديدة، وصولاً إلى مرحلة ما بعد الحداثة.

وأوضح أن التراث المستدام يستوعب التطور والتجديد والإبداع مادام حافظ على القواعد والقوالب الأساسية والصورة الواقعية له، ولم يخرج عن مفهومه الأصلي.

وأكد أن التطور الحاصل في فعاليات وأجنحة أيام الشارقة التراثية خير مثال على إمكانية تبنّي مفاهيم الإبداع في الجوانب التراثية، إذ تتضمن النسخة الحالية عدة مشاهد ومظاهر في هذا الاتجاه، ومن ذلك معرض «تراث من ذهب» الذي يقدم تجربة جميلة في إعادة استخدام المنمنمات والزخارف.

عبقرية المكان

د.ماجد بوشليبي قدم في مداخلته مقارنة نوعية حول «المدن المبدعة وتجربة مدن إمارة الشارقة في الحفاظ على التراث الإسلامي والعربي»، موضحاً أن الحديث عن الفعل الإبداعي على مستوى التطور الحضري والعمراني يرتبط بعدد من المضامين ذات العلاقة بالتراث ومنها مصطلحات الإبداع والاستلهام والتوظيف وغيرها.

ولفت إلى «عبقرية المكان في منطقة الشارقة القديمة، والتي يضمها قلب الشارقة الآن، وتتجلى هذه العلاقة الإبداعية عندما نعود بالذاكرة إلى الإرهاصات الأولى في هذه البيئة المحدودة من حيث المساحة، والرحبة من حيث التنوع والحراك والنشاط في مختلف الجوانب، فهذه المنطقة والتي تسمى المريجة، شهدت أولى بدايات التعليم في الخليج، وفيها انطلق أول نادٍ ثقافي، وخرج منها أول إصدار إعلامي، وجرى فيها أول تصوير فوتوغرافي في حوالي عام 1860، وضمت أول سوق ذات بناء في الشارقة، بل كانت ساحة للباعة المتجولين، ووجهة لأصحاب الصناعات التقليدية والحرف، وواحة للشعراء، وملتقى للكثير من القوافل العابرة من شرق الإمارات وغربها».

وأشار إلى أن هذا التنوع صاحبه تجانس اجتماعي بين مختلف الأجناس والجنسيات في المنطقة، ومن ثم فهو يشكل عبقرية خاصة مستمرة وهي مدعمة بسياسات ثقافية ناجحة في الإمارة، فإلى جانب الأيام التراثية تزخر أجندة المكان بالعديد من المهرجانات الإبداعية الأخرى مثل أيام الشارقة المسرحية، وبينالي الشارقة، ومتاحف الفنون.

ولفت إلى أن العديد من دول العالم بدأت تبحث عن وجهات مميزة في مدنها وضواحيها، بحيث تستغل المخطط الحضري لها من خلال تطويرها واستثمارها في سبيل بناء صناعة علامات تجارية لها على المستويين الدولي والوطني. واقترح في هذا السياق دراسة تطوير وتحويل منطقة الشارقة القديمة إلى منطقة متكاملة تدار بمفهوم مؤسسات القطاع الخاص وتكون لها أهداف فنية وتسويقية وتجارية تصب في صالح المشروع الحضاري للإمارة الباسمة.

واختتم بوشليبي بالتأكيد أن المدن الإبداعية الناجحة تدرك خطورة آفة الزمن وأثرها على تقادم مبانيها التاريخية والتراثية في حال عدم استغلالها واستخدامها بصورة صحيحة وممنهجة، فضلاً عن التأثيرات البيئية المختلفة. وشدد على ضرورة مواكبة التقنيات الحديثة في إدارة هذه المباني وربط تطويرها بتوجهات التنمية الاقتصادية من خلال صناعات إبداعية متنوعة وبما يحقق لها القيمة التاريخية المضافة ويمكن الناس من الاستمرار في معايشة هذه الأيقونات الحضارية الرائعة.

«كوفيد-19» والتواصل الإنساني

د.أحمد بهي الدين طرح عدة تساؤلات مهمة حول مدى حاجة مستقبلنا على المديين القريب والبعيد إلى التراث، ومدى جاهزية الأجيال القادمة للتعامل مع التراث، مشيراً إلى وجود اختلاف في الرؤى في جدوى استخدام المصطلحات التقليدية القديمة وقبولها ورفضها.

وتحدث حول اتفاقية التراث الثقافي غير المادي التي أعلنتاه منظمة «اليونيسكو» في 2003، وأثرها في إعادة اهتمام الحكومات بعناصر هذا الموروث لديها، وسعيها لتطويرها وتسجيلها في قوائم اليونيسكو.

ودعا إلى ضرورة إنتاج مصطلحات جديدة في التعامل مع التراث، والتفريق في استخدام مصطلحي التوظيف والاستلهام للمكون التراثي، ومراجعة المناهج الأكاديمية المرتبطة بالتراث الثقافي، وتطوير مختبرات أكاديمية عربية تستقرئ التراث العربي الحي والفريد من نوعه.

وأنهى المحاضر حديثه بالوقوف على أثر جائحة «كوفيد-19» على مفهوم التواصل والتفاعل الإنساني بين الناس، وعودة الكثير من أفراد المجتمع لممارسات وعادات منزلية لم تكن قائمة، لافتاً إلى ظهور سياقات جديدة يمكن الاستناد إليها في نقل التراث والمحافظة عليه.

قصص وتجربة ترميم

ضمن فعاليات أيام الشارقة التراثية، وقع د.عبدالعزيز المسلم، مساء الثلاثاء، في متحف بين النابودة، كتابه «بنات واق واق وحكايات أخرى».

يضم الكتاب 30 قصة وحكاية شعبية مختلفة من تراث الإمارات، من بينها قصة «بنات واق واق» والتي حمل الكتاب عنوانها. وجاءت كل قصة في كتيب صغير مستقل، لتيّسر للأطفال والأمهات اقتناءها وقراءتها. وتأتي مجموعة هذه القصص والحكايات في قالب تشويقي يحفظ التراث الشفاهي وأسلوب يثري المخيال الشعبي في أذهان الأطفال، وتربطهم بموروثهم الشعبي على امتداد وطنهم، وتعيد طرق تفكيرهم في عاداتهم وتقاليدهم التي يمارسونها بالمقارنة مع مضامين هذه القصص التي تغوص في فترات زمنية يعود بعضها لسنوات ما قبل النفط.

ووقعت موزة الغفلي، مساعدة خبير ترميم المخطوطات بالمعهد، كتابها «أروقة ترميم المخطوطات»، والذي تجمع فيه خلاصة تجربتها العملية على مدار 5 سنوات، من خلال عملها في قسم ترميم المخطوطات بالمعهد.

وتعود فكرة إصدار الكتاب، بحسب الغفلي، إلى ندرة المراجع المتوافرة في المكتبة العربية في مجال ترميم المخطوطات، وتتطلع لأن يكون كتابها باكورة لجهود معرفية وبحثية مستقبلية بهدف إعداد كوادر وطنية متخصصة ذات خبرة في هذا المجال النادر على مستوى العالم.

البن الخولاني السعودي

نظمت الإدارة الأكاديمية بالمعهد المحاضرة في متحف بيت النابودة حول استخدامات الذكاء الاصطناعي في مجال المؤسسات التراثية والمتاحف وكيفية توظيفها في هذا المجال.

قدم المحاضرة د.عصام فرج النجدي، استشاري متاحف ومواقع عالمي، ومؤسس ورئيس «معاً من أجل التراث» ومقرها في كل من الشارقة ومصر.

تناول المحاضر خلال حديثه التعريف بالذكاء الاصطناعي واستعراض مجالاته وتطوره التاريخي بشكل موجز، إلى جانب التطرق إلى أهم التطبيقات المستخدمة في هذا المجال بالإضافة إلى المستقبلية، ومدى ارتباط ذلك بالإبداع والملكية الفكرية.

من جانب آخر، استضاف مركز التراث العربي محاضرة حول البن الخولاني قدمها عبدالله بن كليب من هيئة التراث بالسعودية.

تحدث المحاضر حول نجاح المملكة في تسجيل هذا البن في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي ل«اليونيسكو»، باعتبارها خطوة تدعم التراث السعودي، وتنتقل به إلى العالمية.

خبز الشعوب

تتيح «حارة الخبازين» المقامة على أرض فعاليات أيام الشارقة التراثية التجول بين دكاكين الخبازين التي يعمل أصحابها بدأب لتأمين الكميات المطلوبة للزوار، دون أن يؤثر فيهم توقف لحظات معينة للإجابة عن أسئلة الضيوف حول بيان طعم كل خبز، وطبيعة مكوناته، ومسمياته، وتاريخه، وسبب الإقبال الشعبي عليه في هذا البلد أو ذاك.

وقال أبو بكر الكندي، المنسق العام لأيام الشارقة التراثية:«الحديث لا يتوقف عن الخبز لاسيما إذا انتقلنا إلى الذكريات والحكايات التراثية وما حفلت به من الصور والمواقف والشواهد على أهم مكونات المائدة، بل إلى الكتب والصحف والمصادر الكثيرة التي ألهمت الشعراء والأدباء والكتاب، وهو ما أضاف لأيام الشارقة التراثية نكهة أخرى وهي تعزز ثقافة الزائرين بالإطلاع على عالم الخبز الواسع، وأثره في حياة وتراث الشعوب».

حارة الخبازين المؤلفة من سبع دول هي: الإمارات، العراق، المغرب، اليمن، البحرين، لبنان، الهند، إيران، تطل بعشرات الأنواع من الخبز، ذوقاً، وشكلاً، وتكويناً، وتقدم مجموعة أخرى من الأسماء التي تميز كل نوع عن غيره.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3hp6nr4v

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"