استعدّوا لعالم عملات متعدد الأقطاب

23:01 مساء
قراءة 4 دقائق

جيليان تيت*

من الواضح أن روسيا والصين أثارتا، الشهر الماضي، مخاوف جديدة في واشنطن من خلال استعراض القوة حول توحيد الجهود الدبلوماسية في ما يخص الأزمة في أوكرانيا وقضايا أخرى.

 لكن يبدو أن الوضع المالي العالمي كان له نصيب في تلك المخاوف. فخلال الزيارة التي قام بها شي جين بينغ، إلى موسكو، تعهد فلاديمير بوتين، باعتماد الرنمينبي في المدفوعات بين روسيا ودول آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، في محاولة لإزاحة الدولار.

 وتأتي الخطوة في الوقت الذي تستخدم فيه موسكو الرنمينبي عملياً، وبكميات متزايدة، في تجارتها المتضخمة مع الصين وضمه إلى احتياطيات بنكها المركزي، لتقليل تعرضها للأصول «السامة» الأمريكية.

 هل هذا مهم؟ حتى وقت قريب، كان معظم الاقتصاديين الغربيين يقولون «حسناً، لا». وبعد كل شيء، ساد الافتراض منذ فترة طويلة، أن الطبيعة المغلقة لحساب رأس المال الصيني تشكل عائقاً أمام استخدام عملتها على نطاق أوسع.

لكن إعلان بوتين في الوقت الحالي، يعتبر لكمة عاطفية غير عادية. وأحد الأسباب مصدره المخاوف من أن الاضطرابات المصرفية الأمريكية والتضخم، ومعركة سقف الديون التي تلوح في الأفق، تجعل الأصول القائمة على الدولار أقل جاذبية. وتلجأ واشنطن إلى تخفيض قيمة الدولار من أجل تمويل عمليات إنقاذ البنوك، وهي توجهات منتشرة على نطاق واسع في اليمين الأمريكي.

 في غضون ذلك، نشر جيم أونيل، الخبير الاقتصادي السابق في بنك غولدمان ساكس الذي أطلق علامة «بريكس» (اختصاراً للكتلة التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين)، ورقة هذا الأسبوع، يقول فيها إن «الدولار يلعب دوراً مهيمناً للغاية في التمويل العالمي»، ودعا الأسواق الناشئة إلى خفض مخاطرها.

 لكن العامل الآخر الذي أثار القلق هو أنه حتى قبل زيارة شي إلى موسكو، أعلنت الحكومة السعودية أنها ستبدأ بفوترة بعض صادرات النفط إلى الصين بالرنمينبي. وقد نفذت فرنسا للتو، أول عملية بيع للغاز الطبيعي السائل بالرينمينبي، وتبنت البرازيل العملة الصينية في جزء من تجارتها مع الصين.

 لا يوجد أي مؤشر على أن هذه الإيماءات الرمزية تضر بالدولار في الوقت الحالي. صحيح أن حصة الدولار من الاحتياطيات العالمية انخفضت من 72 في المئة في عام 1999 إلى 59 في المئة عام 2022، حيث تقوم البنوك المركزية على نحو متزايد بتنويع صناديق الاستثمار الخاصة بها، وتجاهل ربط العملات، وصحيح أيضاً أن ظهور العملات الرقمية للبنوك المركزية بالجملة، حيث يمكن نظرياً تسريع هذا التنويع من خلال تسهيل تعامل البنوك المركزية غير الأمريكية مع بعضها بعضاً بشكل مباشر بعملاتها الخاصة، لكن الدولار لا يزال يهيمن على أسواق الديون، وقد ازدادت كميات النقد بالدولار الموجودة في الخارج على مدى القرن.

 وأحد التفاصيل المدهشة التي تم تجاهلها حول اضطرابات هذا الشهر، هي أن العملة الأمريكية احتفظت بقوتها القياسية تقريباً، مقابل سلة العملات العشر الرئيسية وعملات الأسواق الناشئة.

 وفي الواقع، أراد العديد من المستثمرين الدوليين الحصول على الدولار خلال الأزمة الأخيرة، حيث أطلق الاحتياطي الفيدرالي برنامج مقايضات يومياً مع البنوك المركزية الأخرى. ويتوقع ديفيد بيكوورث، زميل أبحاث في مركز ميركاتوس التابع لجامعة جورج ميسون، أن يزيد هذا الاستخدام المعزز لخطوط مقايضة الدولار من تعزيز نظام الدولار العالمي، وتأثيراته القوية في شبكة البنوك المركزية.

 قد لا يستحق الدولار الفوز في أي مسابقات جمال في الوقت الحالي، نظراً للمشاكل المالية التي تعانيها أمريكا، لكن العديد من المستثمرين لا يزالون يعتبرونه الخيار الأقل قبحاً في عالم قبيح للغاية، بسبب تأثير تلك الشبكة، وحقيقة أن أسواق رأس المال باليورو والرنمينبي، ضحلة ومغلقة.

 لكن، لكي لا يفهم من ذلك تجاهل تهديد بوتين تماماً، ينبغي النظر في بعض الأرقام المثيرة للتفكير حول الفواتير التجارية، والتي نشرها، العام الماضي، مركز أبحاث السياسة الاقتصادية.

قبل عقد من الزمان، كان من المفترض أن العامل الآخر الذي يقوم عليه الدولار هو «ثبات» أنماط الفواتير التجارية، كما لاحظ صندوق النقد الدولي. لكن هذا قد يتحول الآن ببطء حيث ازداد استخدام الرنمينبي أيضاً، مع توسع التجارة الصينية في السنوات الأخيرة.

 ويتجاوز استخدامه اليوم إلى حد كبير استخدام اليورو في الفواتير التجارية، وهو أمر مذهل، بالنظر إلى درجة انفتاح حساب رأس المال المنخفضة في الصين، وقد لا يمنع الافتقار إلى انفتاح حساب رأس المال الرنمينبي من لعب دور أقوى كعملة احتياطيات دولية.

ويشير تقرير البنك الدولي إلى أن سوقاً خارجياً للرنمينبي بقيمة 200 مليار دولار قد ظهر بالفعل.

والنتيجة النهائية، هي أن عالم العملات «متعدد الأقطاب» يمكن أن يظهر في السنوات المقبلة. لكن ذلك لن يكون تحولاً دراماتيكياً، كما قد يرغب بوتين، أو شي، أو كالذي يخشاه مثيرو القلق في واشنطن.

* رئيسة مجلس تحرير شبكة «إيديتور آت لارج» المصدر: ريال كلير ويرلد

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8rxt3f

عن الكاتب

رئيسة مجلس تحرير شبكة «إيديتور آت لارج»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"