الصين.. ذلك المجهول

00:52 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

يتطلع الكثير من العرب إلى عالم متعدد الأقطاب، لا تنفرد فيه قوة واحدة بالهيمنة أو القرار أو رسم السياسات الدولية، وهو توجه مطلوب، ولكن السؤال ماذا نعرف عن البلدان الأخرى المؤهلة للصعود إلى مركز الصدارة في العالم؟.

 قرأت منذ عدة سنوات أن عدد الأدباء في اتحاد الكتاب الصينيين يبلغ 100 ألف كاتب، وهو رقم ضخم جداً مقارنة بالعديد من البلدان الأخرى، وهو يختزن بداخله دلالات عدة، فعلينا أن نتخيل عدد الكتاب الآخرين غير المسجلين في الاتحاد، وعدد أساتذة الجامعة والفنانين بشرائحهم كافة، وسنكتشف أننا أمام نخبة صينية طويلة وعريضة، فماذا نعرف عن المنتج الثقافي والفكري والأدبي والفني في الصين؟ نموذج الصين هنا مهم؛ لأنها أكثر البلدان المؤهلة لتكون القطب العالمي الجديد الذي سيكسر الهيمنة الغربية خلال السنوات القليلة المقبلة، هنا يصبح السؤال «ماذا نعرف عن الصين؟» ذا أهمية قصوى.

 إذا سألت أي مثقف أو قارئ أو فتشت في الذاكرة عن الصين، فستجد معلومات قديمة، فالصين لدى البعض هي بلاد الفلسفة الكونفوشية أو بلد الاختراعات الأربعة الشهيرة: الورق والبارود والبوصلة والطباعة، أو هي ذلك البلد الذي زاره الرحالة الإيطالي ماركو بولو أو بعض الرحالة العرب، وستجد هناك من يحدثك عن الثورة الثقافية في ستينات القرن الماضي أو فلسفة ماوتسي تونغ، أو بلد المنتجات المقلدة والرخيصة بالنسبة للبسطاء. أي أن المعرفة الشائعة عن الصين هي معرفة تقليدية وقديمة، والأكثر مدعاة للانتباه أنها معرفة تنتمي أحياناً إلى الرؤية الغربية عن الصين. وبرغم كل ما يكتب عن ضرورة التوجه شرقاً أو عن عمقنا الشرقي أو الصعود الصيني، فإن معرفتنا عن الصين ضئيلة ولا تقارن بمعرفتنا عن الغرب: تاريخه وفلسفاته وتجاربه في النهضة والتنوير؛ حيث يعرف بعضنا عن الثقافة الغربية أكثر مما يعرف عن ثقافته العربية وتلك كارثة أخرى.

 كانت الصين في التسعينات من القرن الماضي بلداً كبيراً، ولكنه لا يزال نامياً، وخلال العقود الثلاثة الأخيرة قفزت قفزات هائلة، ومع ذلك لم تدرس هذه التجربة المعجزة بدرجة كافية في الفضاء العربي، مقارنة بتجربة شرقية أخرى كانت جاذبة لكثير من الباحثين، ونعني التجربة اليابانية، وهو ما يؤشر إلى أن خياراتنا في النهضة لا تزال تتطلع إلى الغرب أو إلى التجارب التي سارت على دربه إلى حد كبير، مثل اليابان. ولكن ما يمنح التجربة الصينية فرادتها وأهميتها بالنسبة لنا أنها قامت على أسس ليست غربية، ركائز ومبادئ ربما هي أقرب في خصوصيتها إلى الحالة العربية.

 إن الثقافة الصينية بأكملها غريبة عنا، نحن لم نترجم الأدب الصيني إلا نادراً في مناسبات الفوز بجوائز غربية، والسينما الصينية شبه معدومة في العالم العربي، ولا نعرف شيئاً عن الفكر الصيني الراهن: محدداته ورؤيته للآخرين، ويندر أن تجد متخصصاً عربياً في الشأن الصيني.

 هل يعقل أن تكون معرفتنا عن الصين بهذه الضآلة؟ وأين الخلل بالضبط في تلك المعرفة؟ والأهم من ذلك، كيف نتمثل هذه التجربة بكل عناصرها؟.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3cz87ujh

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"