عادي

أما بعد

23:39 مساء
قراءة دقيقتين

د. سالم الشويهي

ما زال الحديث موصولاً عن قصة يوسف عليه السلام، فبعد أن رجع إخوته إلى أبيهم دون أخيهم الصغير شقيق يوسف وأخبروا أباهم بما حصل: «قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ». «وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَا عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ».

وأشد الحزن ما يُبكي الرجال «فَهُوَ كَظِيمٌ» مملوء بالغيظ على أولاده

«وَتَوَلَّى عَنْهُمْ» يواري دمعته فهمومك وملامحك المُنهكة ودموعك المنهمرة استرها حتى عن أقرب الناس إليك.

وعندما رأوا ذلك الحنين منه «قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ».

ذكّره حزنه الجديد بالحزن القديم، وحرّك ما كان كامناً. وليقين يعقوب بالله قال: «يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ»

فقده طفلاً صغيراً قبل سنين طويلة ورغم ذلك يطلب البحث عنه.

وحقق الله مراد أبيهم ووجدوا أخاهم: «قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي».

«قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ»

من كان سيعرف يوسف لو نال تلك اللذة واستجاب للمراودة ووقع في الإغراء؟

وعندها يعلن إخوة يوسف الحقيقة التي حاولوا إخفاءها في غياهب الجب: «قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91) قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ».

‏روح جميلة، وفكر جميل، أخلاق جميلة، وأدب جميل.

واجتمعت في يوسف، فتناسى ماضي إخوانه من الكيد والحسد وقال لهم: «اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ».«قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ»، قال ابن عباس: «وَجَدَ رِيحَهُ مِنْ مَسِيرَةِ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ».

«فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا». وهكذا تكرر القميص في قصة يوسف-٣مرات، فكان سبباً للحزن، ودليلاً للبراءة، وبشارة فرح.

وكما قال يوسف:«إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ».

«قَالُوا يَاأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»، «فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ».

سبحان من جمع هذه الأسرة بعد هذه الفترة الطويلة من الفراق. «وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ»

ذكر يوسف السجن ولم يذكر البئر حتى لايُخجلِ إخوته. ثم قال:«إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ»، أي: إذا أراد شيئاً هيّأ أسبابه ويسّرها وسهلها من وجوه لا يهتدي إليها العباد، فلو عاش، يوسف عند أبيه لما كانت هذه القصة التي سماها الله في كتابه «أحسن القصص» لما فيها من البلاء والصبر والعفة والظفر.

ولو فرج ﷲ عن يوسف في أول ابتلائه، لما آلت إليه خزائن مصر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p97765f

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"