عادي
قراءات

الرواية..ديوان الحياة المعاصرة

00:38 صباحا
قراءة 3 دقائق

القاهرة: الخليج

يتفق النقاد ومنظرو الدراسات الثقافية ودارسو تاريخ الأفكار على أن الرواية أحد أهم الابتكارات الثقافية، التي جاءت بعد عصر التنوير الأوروبي، وقد كتب الكثير بشأن الفن الروائي منذ القرن الثامن عشر حتى يومنا هذا. وضمن سلسلة المقدّمات القصيرة جداً في شتى الموضوعات، التي دأبت جامعة أكسفورد على نشرها منذ عام 1995 صدر كتاب «الرواية المعاصرة» لروبرت إيغلستون عام 2013 لمؤلّفه روبرت إيغلستون، وقد ترجمت الكتاب إلى العربية الكاتبة والروائية والمترجمة لطفية الدليمي.

تشير لطفية الدليمي إلى أن هذه المقدمات وإن كانت مصمّمة لمخاطبة القارئ العام (والشغوف في الوقت ذاته) لكنها تتناول في مقارباتها بعضاً من التفاصيل، التي تلامس تخوم الحقل المعرفي قيد البحث، وهي بهذا التصميم المقصود تجمع بين خصيصتين اثنتين: التبسّط المحسوب بقدر منضبط، مع مراعاة شمول المادة المطروقة، لبعض التخوم المتقدّمة من الحقل المعرفيّ، في مزيج، يجمع بين الطراوة البعيدة عن الجفاف الأكاديمي، والشمول المعرفي الذي هو أكثر بكثير من محض تقديم صورة عامة مضببة غامضة وغير واضحة، يُلاحظ أنّ مثل هذا النهج في النشر شاع كثيراً في السنوات الأخيرة.

ضمن ما تتوقف عنده المترجمة أن الرواية صناعة غربية خالصة، موضحة أن نشر رواية «سيليستا» لفرناندو روخاس في إسبانيا عام 1499 يعد تأريخاً لولادة فن الرواية، وقد تطور هذا النتاج الثقافي بطيئاً في أعقاب عصر النهضة الأوروبية، وترسخ نوعاً أدبياً في القرن الثامن عشر، كاستجابة مباشرة لمتطلبات الكتابة في بيئة عانت تحولات جذرية.

ضمن هذه الخلاصات فإن الرواية هي الوريث الشرعي للأسطورة، وهي ليست حكاية مسترسلة بل خبرة مضغوطة، كما أن الرواية الرصينة تهتم بالأفكار لا بالألاعيب اللغوية، باعتبارها نشاطاً، يسعى الى تجاوز المرجعيات الثقافية، كما أن المتعة عنصر أساسي في فن الرواية.

يفتتح المؤلّف الفصل الأول من كتابه بعنوان هو (قول كلّ شيء) في إشارة واضحة منه لقدرة الفن الروائي على تناول كلّ الموضوعات، التي يمكن أن ترد ببالنا سواء أكانت واقعية أم ميتافيزيقية؛ الأمر الذي يعزّز القناعة السائدة بأن الرواية (وبخاصة المعاصرة) وسيلة ثورية لمقاربة كلّ المعضلات الإشكالية في عالمنا، وعلى الصعيدين الفردي والجمعيّ.

هناك ميزة أساسية في الكتاب، وهي التوازن بين شروحاته لبعض المزايا الخاصة بالرواية المعاصرة، وقراءة تلك المزايا في سياق روايات معاصرة، ولم يجنح الكتاب للإفراط في التنظير الروائي، مثلما لم يقتصر على محض قراءة لبعض الروايات المعاصرة، لذا جاء الكتاب دراسة تطبيقية في كيفية توظيف الروايات المعاصرة لبعض الموضوعات الروائية الخاصة بها، والتي تجعلها متمايزة عمّا سواها من الروايات، وهذه الميزة هي ما يجعل هذا الكتاب ذا فائدة لكلّ من القارئ الشغوف والدارس الأكاديمي معاً.

يمكن اعتبار الكتاب دراسة مسحية لأهم الروايات المعاصرة؛ فهو يحتوي على حشد من الروايات والأسماء الروائية، التي قلّما سمع بها القارئ غير المختصّ في حقل الدراسات السردية، وفنّ الرواية بعامة، وهنا تشير المترجمة إلى التالي: «كنت عزمت بادئ الأمر على كتابة هوامش تعريفية بكلّ من الأسماء الروائية الواردة في الكتاب؛ غير أن تضخّم شروحات الهوامش - بسبب كثرة الأسماء الروائية - وحيازتها لحجم مؤثر بالمقارنة مع حجم الكتاب دفعني لإلغاء تلك الهوامش مدفوعة بقناعتي المؤكدة من أن القارئ الشغوف سيتابع أعمال أي روائية أو روائي بجهده الذاتي الخاص وبخاصة أن وسائل بلوغ أي كاتب وأعماله متاحة بسهولة فائقة على شبكة الاتصالات العالمية».

تقول لطفية الدليمي: ثمة ملاحظة يختص بها الفصل الثالث من الكتاب، فقد فضّلت ترجمة إحدى المفردات الإنجليزية بعبارة (النوع الفني) عوضاً عن عبارة (النوع الأدبي) الشائعة، وذلك بسبب المحددات الخاصة في هذا الفصل، حيث يميّز المؤلف بين الرواية الكلاسيكية الرصينة ورواية (النوع الفني) المستحدثة (مثل الرواية البوليسية ورواية الخيال العلمي) التي وُصِمت في بداياتها بالابتذال وعدم التوافق مع اشتراطات الرصانة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bfy7v5hc

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"