عادي

الحرف يخاطب الوجدان

22:44 مساء
قراءة 3 دقائق

الشارقة: عثمان حسن

لا تكفي عبارة واحدة لوصف جمال وروعة أعمال الخطاط التركي الشهير حامد الآمدي (1891 – 1982) المولود في ديار بكر.

ومن يشاهد أعمال الآمدي يقف متعجباً من هذه القدرة الكبيرة في رسم الخطوط مروراً بذلك التناسق الجميل لهندسة الحرف، فضلاً عن جمال التكوين، ومهارة إخراج اللوحة بما فيها حروف وتزيينات آية في السحر والدهشة.

1
حامد الآمدي

ما ذكر آنفا نجده في واحدة من روائع الآمدي التي استخدم فيها خطي النسخ والثلث، واستخدم فيها في أعلى اللوحة العبارة الدينية «الله ولي التوفيق» التي خطها بالثلث، وواحد من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في داخل مستطيل في أسفل اللوحة، واللوحة هي نصف حلية، حيث حرص الآمدي على أن يخرجها مذهبة خاصة في الخط والخلفية والإطار الذي يحتضن الخط.

خط حامد الآمدي هذه اللوحة بمادة الحبر العربي على ورق الترمة، كما قام العراقي طه البستاني وهو خطاط ومزخرف، بتصميم زخرفة نباتية تليق بهذه اللوحة، في إطار عريض على خلفية زرقاء يحتضن اللوحة من جوانبها الأربعة، وزخرفة نباتية ثانية من يمين ويسار حديث الرسول الكريم على خلفية سوداء.

تجديد

ونحن نتأمل هذه اللوحة، لا نتوقف عند جمال ودقة وضبط الخطوط فقط، فحامد الآمدي هو أحد المجددين الكبار في فنون الخط العربي، ومن يتأمل هذه اللوحة، كما في معظم أعماله الخطية، يلمس مدى التطور وابتكار كتابة الحرف على يدي واحد من أعلام الخط العربي في القرن العشرين، من دون الخروج عن القاعدة والتقاليد المتعارف عليها في رسم الحروف وتركيباتها الظاهرة في أعماله، ولندقق على سبيل المثال في كلمة «ولي» التي سبق الآمدي غيره في خطها على النحو التي ظهرت فيه في العبارة الدينية، وتحديداً في حرف (الياء) الذي ظهر باستطالة أكبر وبانحناءة أقل على غير ما هو معهود في خط هذا الحرف في كثير من اللوحات الخطية، حيث بدا حرف (الياء) وكأنه مرسوماً، ومخالفاً للقاعدة الذهبية في خطه، وهو تجديد يضاف إلى مخيال الخطاط الآمدي الذي يحرص دائماً على إظهار القيمة الجمالية للخط، وهي قيم جمالية ظاهرة وكامنة.

والآمدي في هذه اللوحة، عدا عن اهتمامه بمعايير كتابة الخط العربي، على أصوله، فهو يحرص على إبراز القيمة الجمالية والتشكيلية للحرف العربي، وقد استطاع من خلال هذا الإبداع، وهذه العبقرية، أن يفتح نافذة أمام المشتغلين بالخط العربي لتقديم إبداعات في الشكل، ذات منظور بصري، تبحث في أسرار الحرف والخط العربي، وهو في هذه اللوحة، يرسم الخط، ويتفنن في منحه قراءات بصرية جديدة، خاصة وأن الثلث، وهو النوع الذي برع فيه الآمدي، خط قابل للتشكيل، وبعض حروفه مرنة ومطواعة، كما هو حال معظم الخطوط العربية، ويملك ميزة ليست موجودة في حروف اللغات الأخرى، وهو الذي مكن الآمدي من أن يستثمر جل طاقاته الإبداعية في الخط.

في هذه اللوحة، تقع عين الناظر على تحفة فنية قائمة بذاتها، من حيث التكوين العام للوحة، التي تبرز فيها جماليات جودة الخط، وتنسيق الحرف، والتوازن ما بين البصر واليد، وعملية التوازن هذه عُرف بها الآمدي أكثر من غيره من الخطاطين الأتراك والعرب، فقد عُرف عنه امتلاكه لعين أو «عدسة» فنية لاقطة، ويد بارعة في الرسم، وهذا التوازن ما بين العين واليد عنده مكنه من رسم الانعكاسات الشعاعية في الخط، كما هي في حقيقتها الموضوعية، فقد كان يتخيل أبعاد ما كان يود رسمه بدقة متناهية وعجيبة، قبل شروعه في رسم الحرف.

الاسم الحقيقي لحامد الآمدي، هو موسى عزمي، تعلق بفن الخط منذ طفولته، أبدع في أكثر من نوع من الخطوط التي مارسها.

تتميز كتاباته بالضبط العالي، والإجادة التامة للخطوط، وابتكار أنماط وأشكال جديدة، وبخاصة في خط الثلث، ويتمتع بقدرة فائقة في أداء التراكيب المعقدة، و نسخ المصحف الشريف مرتين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ykx48ud8

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"