عادي

جُمِعَ ٱلشَّمسُ وَٱلقَمَرُ

22:49 مساء
قراءة 3 دقائق
3

د. حميد مجول النعيمي *

بالعودة إلى يوم القيامة أعلاه لنقرأ الآيات الكريمات (6-10) من سورة القيامة: «يَسأَلُ أَيَّانَ يَومُ ٱلقِيَامَةِ، فَإِذَا بَرِقَ ٱلبَصَرُ، وَخَسَفَ ٱلقَمَرُ، وَجُمِعَ ٱلشَّمسُ وَٱلقَمَرُ، يَقُولُ ٱلإِنسَانُ يَومَئِذٍ أَينَ ٱلمَفَرُّ». ولنقف عند الآية الكريمة: «وَجُمِعَ ٱلشَّمسُ وَٱلقَمَرُ»، وإن كانت الآية الكريمة «وَخَسَفَ ٱلقَمَرُ» موضع بحث أيضاً؛ إذ إننا نرى ثمة مشكلة في مدلول الفعل (وَجُمِعَ) مبعثها قصور في علمنا ليس إلا، لأننا نتفكر في مسألة جمع الشمس إلى القمر فننظر فيها نظرة تزيد على التخيل والتجريد وتنقص عن الحقيقة والواقع في الوقت نفسه. التفسير القائل: «وَجُمِعَ ٱلشَّمسُ وَٱلقَمَرُ فطلعا من المغرب أو ذهب ضوؤهما وذلك يوم القيامة»، كما عند الجلالين، وهو تفسير حركي منبعث من تغيير نظام حركة المجموعة الشمسية، وغموض «فطلعا» ليس أقل من غموض «وَجُمِعَ»؛ بل أكثر منه وأشد! إن طلوع الشمس من المشرق وطلوع القمر من المغرب في الحياة الدنيا (طلوع القمر والشهر القمري)، فإذا طلع الاثنان من المغرب، فهذا يعني تغيير نظام الحركة، أي الوضع المداري للقمر حيال الشمس أو بالعكس، وهو أمر تنصه الحكمة العلمية في التفسير لأن (العكس) أي تغيير وضع الشمس حيال القمر سيجرّ معه تغييرَ وضع كواكب المجموعة الشمسية كلها إزاء الشمس نفسها، وهذا ما لم ينص عليه قول الله تعالى تلميحاً، فكيف به مباشراً؟ لا نريد في هذا التوجه التقليل من حجم إعجاز الجمع بين الشمس والقمر؛ إذ نريد تقدير شكل الجمع سواء على ما ذهب إليه المفسرون أم إلى ما سنضيفه إلى ما أفادونا به، رحمهم الله الرحمن الرحيم، لذلك فإن المذهب الآخر: «أو ذهب ضوؤهما وذلك يوم القيامة» هو نقيض طبيعي (فيزيائي) للتفسير الأول الذي سيبقي على ضوء الشمس والقمر مع تغيير جهة طلوعهما، أما هذه المرة فإخفاء ضوئهما والإبقاء على موضعيهما الفضائيين (الواحد إزاء الآخر) ثابتين! إذا هو ما يعطي صيغ المزاوجة الخيارية في (أو)، أكثر مما تحتمل في الواقع، إذا أننا نرى أنه يتعين على العلاقة بينهما أن تبقى متجانسة لا متعاكسة. في مختصر ابن كثير نجد في تفسير «وَجُمِعَ ٱلشَّمسُ وَٱلقَمَرُ»: قال مجاهد: كُوِّرا، كقول الله تعالى: «إِذَا ٱلشَّمسُ كُوِّرَت»، وقول الله تعالى هنا عن الشمس: ٱلشَّمسُ كُوِّرَت منفردة أما في الجمع بين القمر وبينهما فحالة أخرى وأكيدة في كبر تعقيدها وعظم إنجازها، كما أن في معنى التكوير في الآية الكريمة: «إِذَا ٱلشَّمسُ كُوِّرَت»: (لففت وذُهب بنورها) فحوى هي التي أوحت بالنفي المزدوج لضوء القمر والشمس معاً كما يظهر، وأما في مذهب المفسرين حيال: «إِذَا ٱلشَّمسُ كُوِّرَت» فينقل ابن كثير شيئاً أكثر من الجلالين فيقول: «قال ابن عباس: إِذَا ٱلشَّمسُ كُوِّرَت يعني أَظلَمَتْ، وقال العوفي عنه: ذهبت، وقال مجاهد: اضمحلت وذهبت، وقال قتادة: ذهب ضوؤها، وقال سعيد بن جبير: (كُوِّرَت) غُوِّرت، وقال زيد بن أسلم: تقع في الأرض(!) قال ابن جرير: والصّواب من القول عندنا في ذلك أن التكوير جَمْع الشيء بعضه على بعض، ومنه تكوير العمامة وجمع الثياب بعضاً إلى بعض، فمعنى قول الله تعالى: «كُوِّرَت»، يُكوّرُ الله تعالى الشمس والقمر، (لاحظ إضافة القمر وهو غير موجود في آية التكوير)، والنجوم يوم القيامة في البحر! ويبعث الله ريحاً دبوراً فتضرمها ناراً (!) وروى البخاري، عن أبي هريرة عن النبي: «الشمسُ والقمرُ يُكوَّران يوم القيامة».

رحم الله مفسّرينا الأجلاء وجزاهم عنا خير الجزاء، وكل لغة بما أتيح لها من علم وقت النطق بها! هنا لا بد من التعرف، إذن، إلى الشمس والقمر من الداخل، ومن ثم العودة إلى التفاسير إياها للتوثق من (أرجحية) الممكن منها «عقلاً» أمام الممكن منها (قدراً وإعجازاً) ربانياً، فكل ما يتصوره البشر لا شك واقع تحت قدرة الله جل جلاله «وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ مُّقِيتًا»، النساء 85، أي قديراً. أما إذا أردنا حصر التفسير جمعاً بين الإعجاز والتحليل العلمي معاً فعلينا أن ندرس الشمس والقمر مادياً، ولقد صار ذلك متاحاً الآن بنسبة تقرب من النسبة الكاملة مما لم يُتح لمفسّرينا الأجلاء في حينه، «إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».

* مدير جامعة الشارقة رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2z5t9scd

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"