عادي

3 موجات تحدد شكل العالم عام 2050

17:14 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»
يتقرر اليوم ما سيكون عليه العالم عام 2050، كما يجري الإعداد لما سيكون عليه عام 2100 وبحسب النهج الذي سننهجه سيتحدد ما إذا كان أطفالنا وأحفادنا سيعيشون في عالم قابل للحياة، أم سيعانون جحيماً مقيتاً، ولكي نترك لهم كوكباً يمكن الحياة فيه، علينا أن نتحمل مشقة التفكير في المستقبل، وأن نفهم مصادره، وكيف نتعامل معه، وهذا أمر ميسور، فالتاريخ يخضع لقوانين تسمح بالتنبؤ بالمستقبل وتوجيهه.
يرى جاك آتالي في كتابه «قصة موجزة عن المستقبل» (ترجمة نجوى حسن) أن الموقف واضح، فقوى السوق قد أحكمت خناقها على الكوكب، تعبيراً نهائياً لانتصار الفردية، وهذه المسيرة المظفرة للمال تفسر لنا جوهر القفزات الفجائية الأخيرة للتاريخ، سواء كانت من أجل تسريعها أو رفضها أو التحكم فيها، ولو أن هذا التطور بلغ غايته، فسوف تتخلص النقود من كل ما يمكنه الإضرار بها، بما في ذلك الدول، التي سوف تهلك شيئاً فشيئاً، ويشمل ذلك الولايات المتحدة الأمريكية.
كما يرى الكتاب سيكون السوق هو الإمبراطورية الفائقة، مترامية الأبعاد، الخالقة للثراء التجاري، ولأشكال الاستلاب الجديدة، وللغنى الفاحش والبؤس، وسيصار إلى القضاء على الطبيعة بانتظام، وخصخصة كل شيء، وسيصبح الإنسان حينئذ مدججاً بتراكيب اصطناعية، وإذا ما تراجعت الإنسانية أمام الولوج في هذا المستقبل، وقامت بقطع الطريق على العولمة بالعنف قبل أن تتحرر من استلاباتها السابقة، فسوف تهوي في حروب رجعية متعاقبة، وتخوض معارك مدمرة، مستخدمة الأسلحة المستبعد استخدامها اليوم، وهذه الحروب تسمى مرحلة النزاع الفائق، وبمقدورها القضاء على الإنسان.
يرى المؤلف أنه لو أن العولمة تمكنت من الاستمرار، دون رفض لها، ولو أمكن تحديد حرية السوق بدون إلغائها، واستطاعت الديمقراطية أن تصبح كوكبية ومتكيفة مع الواقع الملموس في الوقت نفسه، لو لم تهيمن إمبراطورية ما على العالم، حينئذ ستنفتح لا نهائية جديدة أمام الحرية والمسؤولية والكرامة والتسامح واحترام الآخر، وهو ما يدعوه المؤلف بالديمقراطية الفائقة.
وهذه بدورها ستقود إلى إحلال حكومة عالمية ديمقراطية، ولقيام مجموعة من المؤسسات المحلية والإقليمية، تعمل على تمكين كل فرد من أن يتمتع بالمجانية والوفرة، وذلك عبر وظيفة مبتدعة من الإمكانات الهائلة للتقنيات المستقبلية، وكذلك تمكين كل فرد من الاستفادة على قدم المساواة من خيرات الخيال التجاري والسلعي، وتمكينه كذلك من أن يحد من انطلاق شططه الخاص، وكذلك شطط أعدائه وأن يترك للأجيال القادمة بيئة محمية على نحو أفضل، وأن تولد من كل تيارات الحكمة الموجودة بالعالم طرائق جديدة للحياة وللإبداع في آن معا.
يقول المؤلف: «بوسعنا إذن أن نقص حكاية الخمسين عاماً المقبلة، فقبل عام 2035 ستنتهي هيمنة الإمبراطورية الأمريكية، وهي الهيمنة العارضة في التاريخ شأنها شأن كل سابقاتها، ومن ثم سنشهد إقلاع كل الموجات الثلاث للمستقبل: أي الإمبراطورية الفائقة، والصراع الفائق، والديمقراطية الفائقة، وهما بالأحرى موجتان قاتلتان، والثالثة مستحيلة، وستختلط هذه الموجات الثلاث للمستقبل معاً، وهي الآن في طور التجريب»، ويؤمن المؤلف بانتصار الديمقراطية الفائقة حوالي عام 2060 باعتبارها تكويناً أعلى لنظام الإنسانية، وتعبيراً نهائياً عن القوة المحركة للتاريخ التي هي الحرية.
رغم أن المؤلف يؤكد أنه من العبث محاولة التنبؤ بالمستقبل، فإنه يرى أن الجميع تنبأ في نهاية القرن السادس عشر بأن ظهور حروف الطباعة المتحركة في أوروبا لن يعمل إلا على تقوية السلطتين المهيمنتين حينئذ، وهما الكنيسة والإمبراطورية، وكذلك الحال في نهاية القرن الثامن عشر، إذ لم تر غالبية المحللين في آلة البخار إلا ألعوبة للتلهي، لن تعمل على تغيير شيء في الطابع الزراعي للاقتصاد.
وأيضاً في نهاية القرن التاسع عشر لم يكن للكهرباء بالنسبة لغالبية المراقبين إلا مستقبل واحد هو التمكين من إضاءة الشوارع بشكل مختلف، وبنفس الشكل في مستهل القرن العشرين، حين تنبأ البعض بظهور الغواصة والطائرة والسينما والراديو والتليفزيون، ولم يعتقد أحد بمن في ذلك جول فيرن، بأن هذه المخترعات بإمكانها أن تقوم بتعديل النظام السياسي الذي كانت تهيمن عليه الإمبراطورية البريطانية، ومن باب أولى، لم يتنبأ أحد بحدوث انهيار أوروبا وصعود الشيوعية والفاشية والنازية أو أيضا بقدوم الفن التجريدي، وموسيقى الجاز، والسلاح النووي، كذلك مع نهاية القرن الماضي تعامل الكثيرون أيضاً مع الحاسب الشخصي والإنترنت، باعتبارهما عوارض قليلة الأهمية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yu9fu2zv

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"