عادي

الصين تفوز في «ماراثون المائة عام»

21:31 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

يشهد العالم منذ سنوات طويلة تنافساً محموماً بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية، تجسدت مظاهره في العديد من المجالات الاقتصادية والسياسية، غير أن هذا التنافس بدأ يأخذ منحى مغايراً في العقد الأخير، تمثل في سياق تكنولوجي غير مسبوق.

باتت أسواق العالم أجمع ساحة لحرب اقتصادية حامية بين البلدين، وقودها المنتجات، وعتادها المواد الخام، وجنودها المستهلكون بمستوياتهم كافة، ومثل الوطن العربي ميداناً رحباً لتنافس القوتين العظميين في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة خلال هذه الفترة.

يشير كيشور محبوباني مؤلف كتاب «هل انتصرت الصين؟» أن الصعود الصيني أصبح قضية تشغل بال العالم أجمع، ولا يمر يوم دون أن تجد مقالاً في إحدى الصحف العالمية، أو ندوة بأحد مراكز الأبحاث الكبرى، تتناول مستقبل الصين ومكانتها في النظام الدولي.

  • توافق

وتحول الأمر إلى قضية داخلية في عدد من دول العالم، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كانت الصين قضية انتخابية ساخنة في انتخابات الرئاسة عام 2020 وكذلك في العديد من الدول الأوروبية، حيث يدور جدل محتدم حول استخدام معدات من شركة هواوي الصينية في شبكة الاتصالات، وتأثير ذلك على خصوصية المعلومات والأمن القومي الأمريكي والأوروبي.

يوضح الكتاب أن العلاقات الأمريكية الصينية اتسمت بقدر كبير من التوافق، خلال العقود الماضية، منذ زيارة الرئيس الأمريكي نيكسون للصين في أوائل السبعينات من القرن الماضي، حيث تبنت الولايات المتحدة الأمريكية في البداية استراتيجية إبعاد الصين عن فلك الاتحاد السوفييتي، ثم تطورت هذه الاستراتيجية تدريجياً نحو دمج الصين في النظام الدولي، وفي منظومة الاقتصاد الرأسمالي، وكان من أهم ملامحها الموافقة على انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق كلينتون.

كانت الأفكار التي تم ترويجها في ذلك الوقت تتمثل في أن دخول الصين في المنظمة سوف يجعلها تلتزم بالقواعد الدولية المنظمة لحركة التجارة، كما أن النمو الاقتصادي الصيني الناجم عن زيادة تجارتها مع العالم، سوف يؤدي إلى المزيد من الانفتاح السياسي داخل الصين نتيجة لنمو طبقة متوسطة، سوف تطالب بحقوقها السياسية، بعد أن تتحسن أوضاعها الاقتصادية، كما أن قوى العولمة والإنترنت سوف تساعد على نشر الأفكار الغربية والليبرالية في الصين.

يقول المؤلف إن هذه الأفكار الحاكمة للعلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين بدأت تتغير بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وبدأت الإدارة الأمريكية، خاصة في عهد الرئيس ترامب، تتحدث عن الصين كمنافس استراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية، وشنت على الصين حرباً تجارية، استهدفت تخفيض العجز في الميزان التجاري بين البلدين، والذي يميل بشكل كبير لمصلحة الصين.

  • حرب باردة ثانية

كما تزايد الحديث عن أن العالم بدأ يشهد إرهاصات حرب باردة ثانية، وإذا كانت الأولى بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي فإن الثانية ستكون بين الولايات المتحدة والصين، وهي تختلف عن الحرب الباردة الأولى في عدد من الملامح، منها مثلًا غياب البعد الإيديولوجي الذي تمثل في الصراع بين الرأسمالية والشيوعية، كما يغيب عن الحرب الباردة الجديدة وجود أحلاف عسكرية متنافسة.

حقيقة الأمر – كما يرى المؤلف – أن جوهر التنافس بين البلدين ليس حول قضايا التجارة بل قضايا التكنولوجيا، خاصة عندما أعلنت الصين في عام 2015 عن خطة «صنع في الصين 2025» التي تستهدف تحويل الصين إلى اقتصاد، يركز على الصناعات عالية التقنية، أي تلك المرتبطة بما يسمى الثورة الصناعية الرابعة وليس الصناعات الرخيصة محدودة الجودة.

يتعلق الجانب الآخر من التنافس بين البلدين، والذي سوف نشهد تصاعده أيضاً في السنوات القادمة، بالقيم السياسية، حيث أصبحت الصين تمثل نموذجاً سياسياً له جاذبيته الخاصة في مواجهة النظم الغربية، ويقوم النموذج الصيني على الإعلاء من دور الكفاءة في الحكم مقابل الديمقراطية التمثيلية التي يقوم عليها النموذج الغربي، وقد ظهرت ملامح النموذج الصيني في قدرته على تحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة وإخراج الملايين من براثن الفقر.

  • خبرة سياسية

يؤكد الكثير من المحللين أن الصينيين تعلموا درس التاريخ، في ما يتعلق بصعود وانهيار القوى العظمى، ومنها عدم التعجل في قيادة العالم، وعدم الدخول في مواجهات مباشرة، وتتعامل الصين مع التطورات العلمية بهدوء شديد وبعقل بارد، يرجعه البعض إلى الخبرة السياسية لقيادتها، ويرجعه البعض الآخر إلى الحكمة الصينية المرتبطة بحضارة تمتد في عمق التاريخ، يضاف إلى ذلك سبب آخر يعود إلى رؤية طويلة المدى، تتبناها الصين، وتجعلها لا تتوقف كثيراً عند أحداث، تراها صغيرة عندما تنظر إليها في إطار رؤيتها الكبرى، التي يسميها البعض «ماراثون المائة عام» والتي تستهدف أن تحتل الصين المكانة الأولى في العالم بحلول عام 2049 أي بعد مرور 100 عام على نجاح الثورة الصينية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2c9k2a5b

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"