الذهب.. أصدق الأصول

22:18 مساء
قراءة 4 دقائق

جوشوا غلاوسن *

يعد شراء الذهب طريقة مثبتة عبر الزمن لتأمين ثروة الأجيال، وتدبير احترازي يُتخذ غالباً في أوقات الاضطرابات الاقتصادية. ولطالما كان يُنظر إلى الاستثمار في الذهب على أنه تحوط ضد التضخم ومخزن للقيمة مقابل العملات. وعلى مر التاريخ، عندما تنخفض قيمة العملات المعدنية والورقية، كان لدى أولئك الذين يحتفظون بالمزيد من المعادن الثمينة العديد من الخيارات للاستثمار وشراء ما هو مطلوب.

وتخفيض قيمة العملة يأتي من خلال طرق نقدية ومالية مختلفة. ففي الماضي، كان التخفيض مرتبطاً باستبدال المعادن الثمينة بالمعادن الأساسية مثل استخدام كميات أقل من الذهب أو الفضة في العملات المعدنية واستبدالها بالنحاس أو النيكل، مع الحفاظ على القيمة الاسمية كما هي. اليوم، تنخفض قيمة العملة في المقام الأول عن طريق طباعة المزيد من النقود الورقية، وهي عملية تعرف باسم «التضخم النقدي». والسبب الذي عادة ما يجعل الحكومات تبدأ في تخفيض قيمة عملاتها هو عزمها توسيع الإنفاق الحكومي والقوة الشرائية. ومع ذلك، فإنه يأتي على حساب المواطنين الذين يعانون في نهاية المطاف ثروة أقل وتكاليف أعلى وقوة شرائية منخفضة.

ومنذ أن بدأت الولايات المتحدة في إخراج نفسها من معيار الذهب عام 1933، إلى أن تخلصت منه كلياً عام 1971، انخفضت قيمة الدولار بشكل ملحوظ مقارنة بالذهب. وخلال أكثر من قرن، تدهورت القدرة الشرائية للعملة الأمريكية بشكل كبير جداً، تزامناً مع أحداث اقتصادية وسياسية مهمة شهدها العالم منذ سنة 1913 وحتى العام الجاري، امتدت من سنوات الكساد الكبير إلى الأزمة المالية الأخيرة.

ومن خلال قياس معدلات التضخم بين عامي 1971 و2023، كان متوسط معدل التضخم للدولار الأمريكي 3.93%، في حين أن معدل التضخم التراكمي بلغ 641.44%. ومن منظور الشخص العادي، هذا يعني أن 100 دولار في عام 1971 تعادل الآن 741.44 دولار، وهو ما يمثل انخفاضاً كبيراً في القوة الشرائية.

بالنسبة للذهب فهو سلعة تُقيم ويتم تداولها عالمياً، ولأسباب عديدة، بما في ذلك النواحي الجمالية، ومحدودية العرض، والمتانة، والشعبية، فضلاً عن الاستخدامات الصناعية. وبسبب كل هذا وأكثر، حافظ المعدن البرّاق على قيمته الإجمالية طوال آلاف السنين. وعندما تبدأ عملة بلد ما في الانزلاق أو التعثر، فمن المحتمل أن يكون الذهب هو أفضل سلعة مشتركة لنقل الثروة بين عملات البلدان الأخرى مع الحفاظ على جاذبية أكبر للاستثمار، وخاصة عندما لا يتم قبول عملات بعض البلدان بسبب الصراع السياسي أو التناقضات.

يجادل بعض الاقتصاديين بأن أسعار الذهب متقلبة، وأن أسعاره ليست مستدامة مثل الدولار. لكن على عكس ما يظنون، لا يعتبر سعر الذهب متقلباً إلا عند مقارنته بعملة مثل الدولار الأمريكي في فترات قصيرة نسبياً. فعندما يُنظر إلى الذهب من خلال عدسة القيم العالمية على مر التاريخ، بعيداً عن عملة واحدة، نرى أنه حافظ على قيمة كبيرة. وعندما تفشل العملات، يكون الذهب هو الضامن الوحيد للناس لاستعادة ثرواتهم. وبمقارنة القيمة العالمية للذهب بالدولار، نرى أن الذهب حافظ على ثباته بشكل عام مقابل تقلبات كثيرة للأخير.

ووفقاً ل «ستاتيستا»، بلغت قيمة أونصة الذهب في الولايات المتحدة نحو 20 دولاراً عام 1913؛ ونحو 32 دولاراً في عام 1933؛ و39 في عام 1970؛ ونحو 417 دولاراً في عام 2003؛ واليوم تجاوزت القيمة ال 2000 دولار للأونصة الواحدة. كما حقق الذهب عائداً سنوياً بنسبة 7.78% بين عامي 1971 و2022.

وعلى الرغم من محاولات التلاعب بسعره والتأثير فيه عبر السنين، فإن قيمة الذهب ظلت متفوقة على الدولار بشكل عام. ما يعني أنه لا يزال وسيلة جيدة للتحوط ضد التضخم، وليس متقلباً مثل الدولار على المدى الطويل.

في غضون ذلك، ألزم السياسيون في الولايات المتحدة وزارة الخزانة والاحتياطي الفيدرالي الأمريكي طباعة المزيد من العملات الورقية (غير المدعومة بالذهب أو الفضة) بشكل تعسفي، وذلك من أجل تمويل الحروب التي لا نهاية لها تقريباً، وبرامج الرفاهية المتضخمة، وتقديم مساعدات خارجية غير محدودة، دون الأخذ بعين الاعتبار أن طباعة المزيد من الدولارات يخفض قيمتها المتداولة، وقد يؤدي إلى تضخم الأسعار.

وعليه، فإن طباعة العملات الورقية وإنفاقها بهذه الكيفية يعتبر شكلاً من أشكال العبودية والسرقة غير المباشرة والتزييف. وإذا لم يعد الدولار إلى معياره الذهبي لصياغة قيمة متفق عليها في السوق طبيعية مع عرض محدود أكثر، فمن المرجح أن يستمر تدهور العملة، لأن حوافز البرامج الحكومية والمنح أكبر من التكاليف المتصورة. وحتى لو لم يعد، فإن الازدياد الواضح والكثيف لأعداد المستثمرين في الذهب مقارنة بسندات الخزانة وأسواق المال والائتمان والأسهم وما شابهها، يخلق تحولات في الحوافز ويشجع الآخرين ويضغط عليهم للانضمام إلى الاستثمار الأكثر ضماناً واستقراراً والأفضل من حيث العوائد على المدى الطويل.

* كاتب في السياسة والاقتصاد والفلسفة والتنمية الشخصية (يوراسيا ريفيو)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2jswey87

عن الكاتب

كاتب في السياسة والاقتصاد والفلسفة والتنمية الشخصية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"