القاهرة: «الخليج»
أصدرت الهيئة العامة لقصور الثقافة «مذكرات هدى شعراوي» بتقديم للدكتور طارق نعمان، يؤكد من خلاله أن القارئ لتلك المذكرات يدرك أنه أمام امرأة من طراز فريد، امرأة من طينة مغايرة، تتحلى بالشجاعة والخيال والمبادرة والقدرة على الحلم، امرأة ذات شخصية مستقلة، استطاعت من خلالها أن تتحول إلى رافعة تاريخية لنوعها، وأن تكون من أهم صناع نوعها الاجتماعي، وأن تشارك في النضال ضد المحتل.
والمتأمل لرحلة هدى شعراوي تستوقفه عقلانيتها الشديدة التي جعلتها تكسب العديد من معاركها بفضل تلك العقلانية وما يصاحبها من إصرار ودأب لافتين، فهي لم تكن مولعة بالفرقعات الدعائية، وإنما كانت ذات نزوع إصلاحي، لقد استطاعت من خلال تلك العقلانية أن تحقق ما لم تحققه من خلال الاندفاع والجموح الثوري، ولذا تبدو إصلاحاتها أكثر ثورية في آثارها وتأثيرها عمن سواها من نسويات أخريات انطلقن من رؤى أخرى.
يشير النعمان في تقديمه إلى أن إصلاحية هدى شعراوي لم تكن تعني التخاذل أو المساومة على الأصول والمبادئ، أو أي نوع من أنواع الانتهازية السياسية، بقدر ما كانت تعني القدرة على الحجاج العقلاني الرشيد، وطول النفس وإدراك قيمة الوقت، ودور وفاعلية التوقيت، واللحظة الزمنية التي يجترح فيها الفعل السياسي وتوازن القوى السياسية وقيمة التراكم والقدرة على الحشد والتعبئة واستثمار كل العناصر المتاحة سواء كانت مؤسسية أو رمزية أو قوى مادية.
لقد امتلكت هدى شعراوي شخصية أتاحت لها القدرة على الفعل والمبادرة على الرغم من كل ما واجهها من عقبات سواء على الصعيد الخاص أو العام، فقد استطاعت أن تواجه واقعها الأسري، ثم واقعها الاجتماعي والسياسي والثقافي والنوعي، كما أن مبادرة كتابة مذكراتها كانت تنم عن وعي ضمني بأن القائمين على التاريخ أو صناع الكتابة التاريخية لن يكونوا حريصين على تسجيل وتأريخ دور المرأة في التحولات الاجتماعية والتاريخية التي شهدها المجتمع المصري.
بعبارة أخرى يمكن القول إن اللجوء إلى كتابة المذكرات النسائية والتحول إليها في تلك الفترة الباكرة من تاريخ الحركة النسائية ينم عن شك أصيل في القيم الحاكمة للكتابة التاريخية وعمليات التأريخ والتدوين التاريخي، وهو شك له مبرراته التي لم تتغير كثيراً حتى اللحظة الراهنة على صعيد الكتابة التاريخية والدراسات التاريخية.
تمثل مذكرات هدى شعراوي صفحة بالغة الأهمية من تاريخ وحركة المرأة المصرية، هذا التاريخ تتجاهله الكتابات التاريخية المهيمنة والتي لا ترى فيما يبدو أن للنساء دوراً فاعلاً في صناعته، بينما من يطلع على المذكرات يدرك مدى أهمية وخطورة الدور الذي لعبته هدى شعراوي ونساء هذه المرحلة في تطوير المجتمع المصري وتطوير منظومة قيمه وآفاقه المستقبلية، وهو ما لا يجوز معه بأي حال من الأحوال تجاهل دور هؤلاء النسوة أو تجاهل ما أصدرنه من مذكرات أو سير ذاتية تسجل هذه الأدوار.
