عادي
قرأت لك

التراث الإماراتي يعزف موسيقى الروح

16:29 مساء
قراءة 4 دقائق
الشارقة: علاء الدين محمود
لعل أكثر ما يميز التراث الإماراتي بكل أشكاله هو التعدد والتنوع، لذلك دائماً ما تجد المكتبة التراثية تعجّ بدراسات في مختلف المفردات، وقد وجدت الفنون والموسيقى والأدوات الفنية حظا غير قليل في التناول، نسبة لأن هذه الأنماط البحثية لا تتوقف فقط عند دراسة الفنون القديمة والتقليدية فقط، بل هي تتناول الحياة الاجتماعية والثقافية في الفترة التي تغطيها دراسات هذا المجال من حيث العادات والتقاليد، وكذلك المتغيرات والتحولات التي تحدث في المجتمع المحدد.
الفنان والباحث علي خميس العشر السويدي، رفد المكتبة التراثية الإماراتية والخليجية بعدد من المؤلفات حول الفنون والأدوات الموسيقية، من أهمها كتاب «فنون أصيلة في الذاكرة»، الصادر في طبعته الأولى عن معهد الشارقة للتراث، عام 2021، وهو امتداد لجهود بحثية كبيرة للمؤلف الذي يعمل مسؤولا للفنون الشعبية في النادي البحري بالشارقة، ويركز في هذا الكتاب على الفنون الأصيلة التي كانت صحارى وجبال وسواحل الإمارات ومدنها وحضرها مسرحا لها، ويهدف المؤلف إلى الحفاظ على تلك الفنون والإبداعات الشعبية من الاندثار، إذ إن الكتاب يضع الأجيال الحالية أمام تلك الممارسات الفنية الأصيلة والرفيعة من أجل التعرف إليها وصونها لأنها شديدة الصلة بالهوية الإماراتية.
الكتاب يقع في 94 صفحة من القطع المتوسط، ويشتمل على تعريفات لأشكال وألوان الإبداعات الإماراتية في مجالات الغناء والموسيقى، وينطلق من تأكيده على أن بعض الفنون الشعبية في الإمارات أصيلة، وأخرى دخيلة تم توطينها مع مرور الزمن، وتلك الإبداعات الأصيلة التي يركز عليها المؤلف هي فنون العيالة الإماراتية، والونة، وعيالة العين، باعتبارها فنوناً إماراتية خالصة، ولا يؤديها أحد في منطقة الخليج غير أهل الإمارات، والكتاب يقسم تلك الإبداعات من حيث بيئاتها الصحراوية والبدوية والبحرية والجبلية، مبيناً طبيعة الفروق بين كل بيئة وأخرى، ويتطرق إلى أبرز رواد الفنون الشعبية، وكيف كانت تؤدى تلك الإبداعات والطقوس التي تجري فيها، والإيقاعات الخاصة بها، والقصائد التي تتغنى فيها، والشعراء الذين كتبوا لهذا الإبداع، ومنهم والد المؤلف، الراحل خميس العشر السويدي، الذي يصفه بأحد «مبدعي فن الاهالة»، وكذلك خميس بو خماس، وجمعة بو شوارب، وعيد بن فرحان، وغيرهم الكثير، ويعيد المؤلف كل فن إلى ظروف تشكله الاجتماعي والثقافي، وتلك مسألة في غاية الأهمية تضيف أقيمة للكتاب.
في تناوله لفن العيالة، يشير الكتاب، إلى أنه أحد الفنون التي تنتمي إلى التراث الشعبي الإماراتي، وهذا الفن متنوع بطريقة تعكس التعدد الثقافي والاجتماعي للفرد والجماعة، فهو مرتبط بعادات وتقاليد وقيم، ويتجزأ فن العيالة إلى ثلاثة أجزاء هي: عيالة أهل الساحل، والونة، والعيالة النجدية والتي هي عيالة أهل العين، وفيما يتعلق بعيالة أهل الساحل، فقد سميت بهذا الاسم لأنها تؤدى في المناطق الساحلية، ولها طابع خاص بهم وهي معروفة بطريقتها وشكل تأديتها.
  • تشكيلات جمالية
ويشير الكتاب، إلى أن فن العيالة هو في الأصل إبداع شعبي قديم، وهو عبارة عن أشعار، فيها الغزل والمدح وغير ذلك، وتتغنى تلك القصائد بألحان ذات طابع شعبي بحت، وتستخدم فيها الآلات الإيقاعية الشعبية فقط، ويقدم الكتاب تعريفاً للمعنى اللغوي لهذا الإبداع، ويتتبع مصدره، فأصل فن العيالة مشتق من فنون العرضة والرزيف، وهي إبداعات نشأت في بلاد الشام والجزيرة العربية، وتقسّمت على كل دول مجلس التعاون، وكل دولة تؤديها بحسب البيئة التي فيها، حيث تتغير طريقتها حسب البلد ويشتمل ذلك التغيير حتى على طريق فن العيالة ومسماه وإيقاعاته وألحانه والقصائد ومعانيها، وكان نصيب الإمارات منها «العيالة الساحلية»، و«الونة»، و«عيالة أهل العين».
والآلات الموسيقية التي تستخدم في هذا الفن هي: «طبل الراس»، وهو كبير الحجم، ويعتبر أساس فن العيالة، وهنالك أيضا آلة «الطار»، و«التخامير»، و«الطوس»، و«المداق»، و«العصي»، إضافة إلى توظيف البنادق والسيوف، فهي جزء من ذلك الفن الذي يُؤدى عن طريقة توزيع المهام على المؤديين، فهنالك «الأبو»، وهو قائد الفرقة، و«الشاعر أو الشيال»، وهو يلعب دوراً مركزياً في الفرقة، بل يعد أساس هذا الفن الذي ينهض على قصائد لشعراء قدامى أو حاليين، وفي بعض الأحيان يكون هذا الشيال هو نفسه شاعر، وهنالك الضارب على «الراس»، وعلى «التخامير»، وعلى «الطوس» و«الطار»، وهنالك أيضا «الرزيفة»، وهم أهم مجموعة في العيالة، وينقسمون إلى مجموعات، ويحملون في أياديهم العصي، ومهمتهم هي التقاط الكلام من الشاعر، وهناك «اليويلة»، وهم بعض الفنانين الحركيين، حيث يقومون بتشكيلات فنية جميلة، وأيضا هناك «النعاشات»، وهنّ مجموعة من الفتيات يتميزن بشعرهن الناعم والطويل، حيث يتحركن ويتمايلن مع الإيقاع ذات اليمين واليسار بملابس متنوعة الألوان، الأمر الذي يمنح مظهراً شديد الجمال.
والكتاب يتابع تعريف فن العيالة وكيفية الأداء الخاص به، مع تبيين الإيقاعات والألحان التي يقوم عليها هذا الفن حيث ينقسم إلى أربعة مقامات، ولكل واحد قصائد خاصة، وتتغنى بألحان مختلفة بحسب الوقت، فهناك المقام الأميري أو العميري، وهنالك البدوي، ومقام التعوشير أو العاشوري، ونشيد المشي.
  • الونة
وينتقل الكتاب للحديث عن فن «الونة»، وهو إبداع عربي أصيل، وهو جزء لا يتجزأ عن فن العيالة، مع بعض الاختلافات في الإيقاع واللحن والتوقيت، وتتميز الونة بصياغة لحنية وإيقاعية خاصة تميل إلى الهدوء والرومانسية، نظراً لأن كلماتها غزلية المضامين والمعاني، بعكس العيالة التي تميل نحو الحماس والمديح والبطولات، وغالباً ما تكون قصائد الونة من الشعر النبطي، حيث تصطبغ ألفاظ القصيدة بمسحة من الحزن والأنين، وذلك هو سر التسمية بـ«الونة»، ويُؤدى هذا الفن عند البدو بلا إيقاع بل بأداء صوتي فقط، ويسمى بغناء الذكريات، حيث يقوم بمهمة الأداء مغنٍّ منفرد، يركب على ظهر ناقته في رحلة طويلة، ويعمل على تسلية نفسه بواسطة هذا النوع من الإنشاد أو الغناء، ويحتشد الكتاب بقصائد شعرية من فن الونة.
ويختتم الكتاب بالحديث عن فن «عيالة العين»، وهو إبداع قديم وعريق مثله مثل العيالة الإماراتية مع اختلاف من حيث المضمون البيئي، فأهل العين من الحضر ولهم طابع خاص من حيث العادات والتقاليد.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdzauuee

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"