وداعاً للرحلات الجوية الرخيصة

22:01 مساء
قراءة 4 دقائق

لارا ويليامز*

هل تخطط لقضاء إجازة صيفية في القارة الأوروبية هذا الصيف؟ نرجو أن تكون قد وفقت في الحصول على عرض جيد؛ لأنه بات من الصعب العثور على رحلات رخيصة تناسب الجميع.

ربما كنت تعلم أن عصر الرحلات الجوية «رخيصة الثمن» داخل أوروبا قد اقترب من نهايته. فبعد كل شيء، ووفقاً لمحرك البحث المتخصص بالسفر «كاياك»، فإن الرحلات الصيفية بين المملكة المتحدة والقارة باتت أغلى حالياً بمقدار الثلث مقارنة بالعام الماضي. لكن المقلق بالأمر وجود تقارير حديثة توضح أن هذا ليس مجرد اضطراب مؤقت، بل شبه دائم، نتيجة الواقع الجديد لشركات الطيران التي تواجه تحديات كبيرة في إزالة الكربون، وتشديداً في قوانين الامتثال للمناخ.

أتت هذه التحديات من متغيرين كبيرين في نظام تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي. الأول متمثل بضرورة أن يكون لدى شركات الطيران مخصصات (تصاريح حكومية) كافية لتغطية كل طن متري من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون يتم إطلاقها في الغلاف الجوي على الرحلات التي تبدأ وتنتهي في المنطقة الاقتصادية الأوروبية والمملكة المتحدة وسويسرا.

في الوقت الحالي، تحصل هذه الشركات على حوالي نصف تلك المخصصات بالمجان. لكن هذه النسبة ستنخفض، وستبدأ الحصة التي يتعين على شركات الطيران دفعها بالارتفاع اعتباراً من عام 2024، ما سيضاعف التكاليف فعلياً على مدى السنوات القليلة المقبلة.

والمتغير الثاني هو ارتفاع تكلفة التصاريح نفسها في سوق الكربون التابع للاتحاد الأوروبي لتتجاوز 100 يورو لأول مرة في فبراير/شباط الماضي، بسبب احتمالات زيادة المعروض.

وبهذا الصدد، يُقدر محللو النقل الأوروبي في «بيرنشتاين» التكلفة الناجمة عن هذه التغييرات بنحو 5 مليارات يورو، تتحملها شركات الطيران الأوروبية بحلول عام 2027.

يُذكر أن تكلفة انبعاث ثاني أكسيد الكربون في أوروبا تضاعفت أربع مرات تقريباً عن متوسط عام 2019. وهذه ليست سوى البداية؛ إذ يتعين على صناعة الطيران، خلال العقود الثلاثة المقبلة، أن تحول نفسها من صناعة ملوِّثة ومسؤولة عن 2.5% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية، إلى حيادية مع صافي الصفر. وستفعل ذلك من خلال الاستثمار في الطائرات والبنية التحتية المستقبلية، وجعل العمليات أكثر كفاءة، واستخدام الوقود البديل وتقنيات إزالة الكربون. وكل هذا في إطار «التوجه 2050»، وهي خطة القطاع الأوروبي لخفض الانبعاثات.

من المتوقع أن يستحوذ الوقود البديل وأنواعه على أكبر كميات الإنفاق المناخي للطيران، ولكن هذا يوفر بدوره أيضاً أكبر خفض ممكن لأحجام الكربون. وخلصت بعض التقارير إلى أن القطاع لن يكون قادراً على استيعاب هذه التكاليف بنفسه، في وقت ستؤدي فيه التغييرات في الاتحاد الأوروبي إلى خفض الأرباح التشغيلية لأكبر ست شركات طيران في القارة بنحو 77%. مما ينعكس سلباً على أسعار التذاكر التي ستجنح عالياً، وستدمر معها الطلب في الأغلب.

ونمو الطلب يعتبر موضوعاً حساساً لشركات الطيران، كما توضح المعركة الأخيرة حول الحدود القصوى للرحلات الجوية المقترحة بين الحكومة الهولندية ومطار سخيبول في أمستردام. ومع هذا تبقى التوقعات قوية، خصوصاً بعد أن رجّح الاتحاد الدولي للنقل الجوي «إياتا» أن تتضاعف أعداد المسافرين إلى نحو 8 مليارات مسافر بحلول عام 2040 عن مستويات عام 2017. لذا، فإن الوقت كفيل بتحديد ما إذا كان ارتفاع أسعار التذاكر سيضعف نمو الطلب من عدمه. لكن يبقى السؤال، هل سيكون النمو متوافقاً مع طموحات الحياد الكربوني؟

يبدو أن الإجابة عن مثل هذا الاستفسار معقدة بعض الشيء، فإزالة الكربون من قطاع الطيران أمر بالغ الصعوبة بدون زيادة في أحجام الركاب. في المقابل، أوضحت الجمعية الملكية البريطانية أن تلبية متطلبات الطيران بالوقود الحيوي في المملكة المتحدة تتطلب استهلاك حوالي نصف الأراضي الزراعية للبلاد.

إن تقليص أعداد الرحلات الجوية يعدّ من أسهل الطرق لضبط انبعاثات الكربون، وبالتالي فإن انخفاض الطلب سيكون له فوائد مناخية كبيرة بحد ذاته. وبحسب تقرير صناعة الطيران، سيؤدي انخفاض الطلب على السفر الجوي في عام 2050، جراء رفع الأسعار لدفع ثمن وقود الطائرات المستدام، إلى تقليل الانبعاثات بنسبة 12%، كما ستؤدي التدابير الاقتصادية الأخرى، مثل التزامات تداول الانبعاثات واستثمارات إزالة ثاني أكسيد الكربون، إلى انخفاض إضافي بنسبة 2%، مقارنة بسيناريو العمل المعتاد. ومع ذلك، لا يزال من المحزن توديع الأسعار المنخفضة التي جعلت رحلات السفر الجوي وحجوزاتها عبر الإنترنت في متناول ملايين الأشخاص لسنين طويلة. خاصة وأن أولئك الذين يقومون بأكبر عدد من الرحلات الجوية هم أنفسهم الأكثر قدرة على تحمل التكاليف الإضافية.

في المملكة المتحدة على سبيل المثال، يستخدم أغنى 10% من أصحاب الدخل المرتفع السفر الجوي أكثر بكثير مما يستخدمه أفقر 20% بشكل عام. وقد يساعد إدخال «ضريبة المسافر الدائم»، كما اقترحت مجموعات حملات المناخ، في معالجة هذا التفاوت وإنشاء مصدر تمويل جديد لإزالة الكربون من القطاع، على الرغم من أنه سيكون من الصعب للغاية تنفيذه.

وسط هذه المعطيات، يجدر التذكير بأن هناك أيضاً طرقاً أخرى للتجول في أوروبا وعلى رأسها القطارات.

* كاتبة متخصصة بالتغير المناخي في «بلومبيرغ»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ms5w5euk

عن الكاتب

كاتبة متخصصة بالتغير المناخي في «بلومبيرغ»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"