الذكاء بالذكاء والبادي أظلم

00:07 صباحا
قراءة دقيقتين

يبدو أن تطور الحياة سيقودنا إلى تحديات ومواجهات بين الإنسان وقرينه الجديد، تغيرات بدأت تزرع في النفوس قلقاً مما هو آتٍ، وكأن لسان حال الغد سيكون الذكاء بالذكاء والبادي أظلم. 
مواجهات وتحديات الإنسان لن تنتهي، والمرحلة الجديدة ستكون مرحلة صراع البقاء بين الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي، طبعاً ستجد من يتعامل مع الموضوع بنكتة وسخرية فيقول «من أحضر العفريت فليصرفه» أي من ابتكر الذكاء الاصطناعي ووضعه في آلة شكّلها بشكل الإنسان ليقوم بأعماله ويحكي بلسان حاله ثم يحل محله، فليتحمل مسؤولية القضاء عليه قبل أن يقضي على الإنسان نفسه، وذلك بعد التصريحات التي بدأت تصدر عن الباحثين و«أهل الذكاء الاصطناعي» التي تحمل من المخاوف ما يتوافق مع قلق الإنسان العادي والموظف والأب والأم المشغولين بالتفكير في مستقبل أبنائهم والأجيال الجديدة. 
هل علينا أن نقلق؟ هل علينا أن نتراجع خطوات إلى الخلف؟ نقلق نعم، لكن التراجع مستحيل لأن كل ما في الحياة يمشي إلى الأمام ولا شيء يعود إلى الوراء إلا حال الإنسان، لا التطور يتوقف ولا الذكاء الاصطناعي سيعود من حيث أتى لنكمل حياتنا وكأنه لم يكن، رغم ما أبداه جيفري هينتون «الأب الروحي للذكاء الاصطناعي» من قلق لأن بعض جوانب برامج الشات بوت (روبوتات الدردشة الآلية) مخيفة جداً، مؤكداً أن هذه البرامج ستتفوق على الإنسان قريباً.
 وما يزيد من قلقنا هو الأسف الشديد الذي أبداه هينتون وكأنه يعتذر من البشر عما فعلته يداه، حين أعلن عن استقالته من شركة جوجل. روبوتات الدردشة الآلية، يمكن أن تتفوق على الدماغ البشري في المستقبل من ناحية كمية المعلومات التي يمكنها حملها، والأهم والأخطر هي كلمة الحق التي قالها هينتون حين حذر من «التطورات المتسارعة في هذا المجال التي يمكن أن تستخدم لأغراض شريرة، والجهات السيئة التي ستحاول استغلال الذكاء الاصطناعي لأغراض خبيثة». 
مؤسف أن الإنسان لا يتعلم من ماضيه شيئاً، لا يعنيه أن اختراع البارود وتركيبات المواد الكيميائية كان هدفها خيراً واستغلها البشر للتدمير والقتل والحروب، والتطور الإلكتروني الهدف الأساسي منه خدمة الإنسان وتحسين أحواله المعيشية وتسهيل الحياة، لا تدميره ولا أن تحل الآلة مكانه كما يقول الباحث الأمريكي بِن جورتزل بأن الذكاء الاصطناعي قد يطيح بنحو ٨٠٪؜ من الوظائف في السنوات المقبلة، حتى وإن رأى جورتزل الأمر بشكل إيجابي لأنه سيكون فرصة كي يبحث الإنسان لنفسه عن مهمات جديدة يقوم بها! 
كل تطوير في حياتنا إيجابي وضروري، وكل استغلال لهذا التطوير وللتقنيات بشكل سلبي يدمّر الإنسان وارد، لذا نتمنى أن تؤخذ تحذيرات المحترفين والمخترعين وأهل المهنة الأكثر دراية بما في خفاياها بجدية، كي نستغل الآلة قبل أن تستغلنا، وكي نمنع المصيبة قبل وقوعها، وكي نواجه الذكاء الاصطناعي بذكاء بشري يجيد التحكم به لصالح البشرية لا لفنائها.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4r35fjn9

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"