أولويات الطاقة في زمن تغير المناخ

22:20 مساء
قراءة 4 دقائق

ثيودور كاراسيك *

هي صورة رئيسية من صور الطاقة الحالية، وتوليدها، سواء على الأرض أو في البحر، يزداد أهمية، ويتسع نطاقه في جميع أنحاء العالم. إنها طاقة الرياح التي تمنح شيئاً من الأمل في معركة تغيّر المناخ وتخفيف آثاره خلال العقود المقبلة.

يتضمن تاريخ طاقة الرياح الواسع بحثاً في التحديات والفوائد المقارنة للتوليد البري والبحري. فهي أكبر وأسرع مصدر للطاقة المتجددة على مستوى العالم، وولّدت ما يقرب من 8 في المئة من إجمالي الطاقة العالمية، العام الماضي. وعند اقتران الرقم بمعدلات الطاقة الشمسية، ترتفع النسبة إلى 12%.

إن مشاريع طاقة الرياح تملأ الآن العالم، وقد وجد الباحثون أن مزارع الرياح البحرية خيار فعّال لتحقيق انتقال طاقة منخفضة الكربون. وبالتالي، فإن الجهود المبذولة لمواجهة التحديات المرتبطة بتنفيذ مزارع الرياح البحرية مهمة للغاية. وبهذا الصدد، تتخذ السلطات في الدول الأوروبية بالفعل إجراءات بنّاءة. ففي الأسبوع الماضي، تعهدت تسع دول بتوسيع قدرة مزارع الرياح البحرية في بحر الشمال بمقدار ثمانية أضعاف بحلول عام 2050، مقارنة بالمستويات الحالية.

ووفقاً لمركز أبحاث الطاقة «إمبر»، لا يزال توليد طاقة الرياح آخذاً في الازدياد، حيث وفّرت العام الماضي، نحو خُمس إجمالي الكهرباء المستخدمة في منطقة الاتحاد الأوروبي. لذلك، تعمل الدول الأوروبية على تطوير المزيد من مزارع الرياح ومشاريع الطاقة الخضراء الأخرى، في البر والبحر. وعلى سبيل المثال، أعلنت هولندا والمملكة المتحدة مؤخراً، عن خطط لأكبر اتصال كهربائي عابر للحدود في أوروبا يربط الدولتين ببعضهما بعضاً، وبمزارع الرياح البحرية في بحر الشمال.

وتمتلك المملكة المتحدة بالفعل، 45 مزرعة رياح بحرية، تنتج نحو 14 غيغاوات من الطاقة، مع خطط لتوسيع السعة إلى 50 غيغاوات بحلول عام 2030. ولدى ألمانيا 30 مزرعة رياح تنتج 8 غيغاوات، أما هولندا فتولد 2.8 غيغاوات، في حين تولد الدنمارك وبلجيكا 2.3 غيغاوات لكل منهما. إنها أرقام مثيرة للإعجاب حقاً، وتكشف النتائج الإيجابية المحتملة للسياسات الفعالة حين يتم تطبيقها.

وفي أماكن أخرى، ومنها دول بحر البلطيق، يتم توسيع قدرة مزارع الرياح البحرية المرتبطة بمناطق إنتاج الغذاء في البر. حيث تعمل ليتوانيا على بناء مزرعة الرياح «جورباركاس 2» قبالة ساحل منطقة زراعية في جنوب غرب البلاد، وبطاقة إجمالية 62.7 ميغاوات، على أن يتم تشغيلها بحلول عام 2024. وتوسع البلدان الأخرى هناك شبكات طاقة الرياح الخاصة بها أيضاً، مع مراعاة المتطلبات الأمنية اللازمة لحماية هذه البنية التحتية من التهديدات المحلية، أو الخارجية.

وفي شرق آسيا، تعمل مشاريع طاقة الرياح على قدم وساق، إذ تتسابق دول آسيا والمحيط الهادئ لتسخير إمكاناتها التي لا تنضب لنشر مزارع الرياح البرية والبحرية، وتوفير الطاقة لملايين الأسر. وتعد دول شرق آسيا سوقاً أكبر لطاقة الرياح، نظراً لموقعها الجغرافي، مقارنة بأوروبا، وبالتالي تتطلع اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان إلى تعزيز قدراتها على التوليد من مزارع الرياح البحرية.

أما الصين فتعتبر محركاً رئيسياً لمشروعات طاقة الرياح. وتتميز بوجود أكبر توربينات الرياح البحرية في العالم، والتي يبلغ ارتفاع الواحد منها أكثر من 250 متراً، مع شفرات بطول 128 متراً يمكنها أن تغطي مساحة تعادل مساحة سبعة ملاعب كرة قدم.

ومن المثير للاهتمام، أن السلطات الصينية تبحث في نظام هجين لتوليد الطاقة من الرياح والهيدروجين يمكن أن يقلل، بشكل فعال، من فقدان الطاقة المحتمل الناجم عن نقص الرياح، ويزيد من تحسين قدرة النظام على استيعاب الطاقة المتجددة.

ومع ذلك، لا تخلو نماذج توليد طاقة الرياح البحرية الحالية من مشكلات تظهر بين الحين والآخر، ومن بينها «سلسلة التوريد». فتركيب وصيانة مزارع الرياح البحرية العملاقة عملية معقدة للغاية، ويتتطلب معالجتها وتشغيلها سفناً متخصصة ومكلفة، وبالتالي، يمكن أن يؤدي ارتفاع الطلب على سفن الإصلاح إلى إعاقة الصيانة وتقليل السعة.

إلى ذلك، وجدت دراسة حديثة لقطاع طاقة الرياح في أوروبا أن هذا النوع من الطاقة الخضراء لا يزال يسبب التلوث، مع قضايا كثيرة تُثار كنقاط خلاف، أو توجس بشأن تأثيرها البيئي؛ وغياب العدل في التوزيع؛ والملكية والملاءمة؛ والنسب؛ وغيرها. لذا، مع تزايد إدخال أنماط جديدة لتوليد الطاقة بشكل كبير، يجب تقييم التلوث الذي تسببه هذه المصادر، وأي قضايا خلافية أخرى، والعمل على إدارتها وحلها.

بشكل عام، يجب استغلال «أنفاس الطبيعة» واستخدام حلول تقنية عالية في عمليات توليد الكهرباء من غرب الكرة الأرضية إلى شرقها، ومن شمالها إلى جنوبها، للمساعدة في تحقيق هدف تقييد متوسط ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى أقل من 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة. ويجب أن تمثل طاقة الرياح أكثر من 20% من إنتاج الكهرباء العالمي بحلول عام 2030 إذا ما أردنا تحقيق أهداف صافي الانبعاثات الصفرية.

* مستشار في شركة «غلف ستيت أناليتكس»، وزميل أول مساعد في معهد ليكسينغتون في واشنطن «أوراسيا ريفيو»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4j4c3snr

عن الكاتب

مستشار في شركة «غلف ستيت أناليتكس»، وزميل أول مساعد في معهد ليكسينغتون في واشنطن «أوراسيا ريفيو»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"