عادي

الانتقائية في الطعام.. سلوك يجمع الصغار والكبار

22:56 مساء
قراءة 4 دقائق
رفض-الأطفال-الطعام

الشارقة: زكية كردي

الرائحة، واللون، والكمية، ودرجة الحرارة، وتفاصيل كثيرة تتشعب عن مفضلاتنا غير المرئية في الطعام -تلك المرتبطة بالكثير من المسارات النفسية- تتشكل منذ الطفولة ولا يمكن اللحاق بها، وقد تستمر مدى الحياة؛ فأمر الانتقائية في الطعام لا يقتصر على الأطفال فقط، ولا هو أمر ينطبق على عدد من الحالات الخاصة المثيرة للاستغراب، فإذا أمعنّا النظر نجد أن لكل منا شروطه الخاصة التي قد تبدو غريبة للآخرين، وانتقائيته التي شكلتها عوامل ومشاعر كثيرة.

تحتال الأمهات أحياناً لخلق عادات معينة لدى الأبناء لتجنّب عادات أخرى؛ ولأن مريم حسن -ربة منزل- أدركت أن الأطفال يتأثرون بعادات الأهل في الطعام حاولت أن تعتمد فكرة البدائل الصحية منذ الطفولة، وتقول: «هذا الجيل يدمن المشروبات الغازية، ولأن تناولها إلى جانب الطعام صار من المسلمات عوّدت أبنائي ضرورة وجود علب اللبن على الطاولة إلى جانب الطعام». مؤكدة أنها فعلت ذلك منذ طفولتهم لتمنع المشروبات الغازية من الدخول في عاداتهم الغذائية اليومية، واتبعت الطريقة ذاتها بابتكار البدائل الصحية مع العديد من المواد الثابتة، كنوع الخبز، والعصائر الطبيعية، وغيرها.

حاجز نفسي

يُعد لون الطعام من الأمور التي تُعد مؤشراً نفسياً مهماً لتشكيل انتقائيتهم في الأكل بالنسبة للبعض، كما حصل مع نورا مستو، طالبة جامعية، وتقول: «قضيت فترة طويلة في حياتي لا أقترب من الطعام الأخضر اللون إذا كان مطهواً، وأتقبّله إذا كان طازجاً فقط، لم أعرف سبباً مباشراً لهذا النفور وشعوري بأن طعمه سيئ دون أن أتذوقه، لكنني عندما بدأت أكبر وأهتم بالفوائد الصحية للطعام عرفت أنني كنت مخطئة، وتجاوزت الحاجز النفسي الذي كان لدي». مضيفة أنها تنتظر الطعام حتى يبرد لتأكله؛ لأنها تجد طعمه ألذ.

في مشكلة التعامل مع الطعام حسب التصنيف اللوني، عانت خلود جاسم، ربة منزل، مع ابنتها منذ سنوات في عزوفها عن أي طعام خارج تدرجات اللون الأصفر، وتقول: «ابنتي تبلغ من عمرها 12 سنة، وما زالت تجد صعوبة في الاقتناع بضرورة التخلص من هذه العادة، ولا أعرف إن كان له علاقة بولادة أخيها وإيجادها طريقة لتمييز نفسها وإشغالنا بها بشكل أكبر بوضع شروط صعبة لتناول الطعام». مضيفة أنها تعتمد الملونات الغذائية في العديد من الأطباق، لكن الأمر مزعج.

المفهوم الصحي

يُعد وجود الخبز شرطاً أساسياً لأنواع الطعام التي يفضلها رواد دعبوس، مديرة شركة دراسات تسويقية، ويقول: «لست من محبي الأرز منذ أن كنت صغيراً؛ لهذا أفضل دائماً الأكلات التي تؤكل مع الخبز، وهذا يثير استغراب البعض؛ لأني لا أشعر بالشبع إذا لم آكل الخبز، أما باقي العادات الانتقائية لدي فهي ناتجة عن عادات الطبخ في بيتنا، كالابتعاد عن الدسم والمذاق الحار بالدرجة الأولى، وهذا عائد إلى المفهوم الصحي الذي كان سائداً لعقود طويلة عن أضرار الدهون بوصفها مصدراً رئيسياً للأمراض، والذي تغير كلياً مع انتشار الأفكار الغذائية الجديدة المتعلقة بحمية الكيتو، والتي غيرت الكثير من المفاهيم في مجال العادات الغذائية الصحية».

1
يمان أبو دياب

حساسية من الغلوتين

تُعد الانتقائية في الطعام الناتجة عن حساسية معينة للأكل من الأمور التي أصبحت شائعة اليوم، حسب يمان أبو دياب، ويقول: «منذ أن كنت صغيراً اكتشفت أمي أن لدي حساسية من الغلوتين، وهذا لم يكن سهلاً في البداية، فالأمر غير شائع في مجتمعنا، وليس لديها الكثير من المعلومات عن كيفية التعامل معه، لكنها سرعان ما اعتادت وعوّدتني الحمية الخاصة التي علي اتباعها، وأصبح الأمر طبيعياً بالنسبة لي مع أنه يثير استغراب الآخرين عندما يدعونني إلى تناول الطعام في منازلهم، فيُصدمون بالقائمة الطويلة للمأكولات التي لا أستطيع تناولها».

إضافة إلى الحساسية من الغلوتين تمتنع عبير حاج رضا، موظفة حكومية، عن أكل اللحوم بأنواعها أيضاً، فهي نباتية أيضاً، وتقول: «اعتاد الناس حولي أن دعوتي إلى الطعام أمر محبط؛ لأن الأشياء التي أستطيع تناولها محدودة، البعض يتعجب من قراري بأن أكون نباتية منذ سنوات طويلة مع وجود مشكلة الحساسية لدي والتي تمنعني من الكثير من الأنواع، فتغدو خياراتي الغذائية محدودة، دائماً أجيبهم بأن الأمر مربك لهم لقلة معلوماتهم عنه، فاليوم لدينا الكثير من البدائل والمعلومات في مجال الطعام، وأنا لدي حميتي الخاصة والمتكاملة التي اتبعتها في البداية مع الطبيب، وأنا مرتاحة وصحتي جيدة جداً».

1
د. جاسم المرزوقي

الاختيار والبيئة

أوضح د. جاسم المرزوقي، استشاري العلاج النفسي والأسري، أن الانتقائية في اختيار الطعام تعود إلى طبيعة العادات الغذائية في البيئة التي تربى فيها الإنسان، ويقول: «هناك عوامل كثيرة تساهم في تشكّل عادات الشخص في اختيار الطعام؛ سواء ميله أو ابتعاده عن أنواع دون أخرى، ومنها التأثر بعادات الأبوين وسلوكياتهما بحيث يكونان نماذج للأبناء، والتأثر بالتوجيهات والإرشادات العامة، وهناك المشاكل الصحية كوجود حساسية من مواد معينة تستدعي حمية خاصة، أو الأمراض كالسكري والأنيميا وغيرها، وهناك حالات خاصة تتشكل نتيجة المرور بتجربة تركت انطباعاً سلبياً عن الطعام أو عن طريقة إعداده، نتج عنها نبذ هذا الطعام، وهذه حالات شائعة».

ويشير د. المرزوقي إلى أن تغيير العادات الانتقائية في الطعام ليس صعباً، خصوصاً تلك التي تتعلق بالتخلص من العادات غير الصحية مثل شرب المياه الغازية، وتناول الكثير من النشويات، مشيراً إلى التنوع الكبير في الخيارات والمعلومات والبدائل المتوفرة لنا اليوم -خصوصاً بفضل التكنولوجيا وما تقدمه لنا- يجعل هذه الأمور أسهل كثيراً؛ فهناك الكثير من الأفكار والوصفات التي تناسب جميع الأذواق وتساعدهم على الانتقال إلى نمط غذائي صحي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2t5vz45w

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"