لأول مرة.. طموح صيني لخلافة الدولار

21:51 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد*

تسببت ممارسات سياسية-اقتصادية أمريكية محض وطنية (محلية)، منذ أزمة «كوفيد-19، في تخليق أوضاع اقتصادية عالمية مستجدة سوف تقود في الأمد غير البعيد إلى إنشاء واقع اقتصادي عالمي جديد. فمن أجل ترويض أسوأ تضخم منذ 4 عقود بسبب سياسة التيسير الكمي (النقدي) المعادِلة لطباعة النقود من دون رصيد ذهبي أو سلعي مقابل، رفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة بشكل جذري، بوتيرة وكثافة نادرتين في عام 2022، ما أدى إلى «نزوح» كتلة وازنة من رأس المال الدولي إلى الولايات المتحدة على حساب بقية أسوق العالم. لكن «تسليح» الدولار، الذي شمل تحويل نظام «سويفت» للمدفوعات الدولية إلى ملكية أمريكية خالصة، وإجبار الدول على الامتثال للعقوبات الأمريكية الأوروبية ضد روسيا، تسبّب في أزمة مصداقية عالمية للدولار، تمثلت في إطلاق العديد من الدول، في فترة قصيرة، إجراءات لإزالة الدولرة (De-dollarization). ورغم أن سيادة الدولار في نظام الدفع والاحتياطي الدولي، ستبقى مستمرة، حتى الأمد القصير على الأقل؛ إلا أن تداعيات الحرب الاقتصادية العالمية التي أطلقتها أمريكا و«كهربت» بها كافة منصات تداول مواد العلاقات الاقتصادية الدولية (التجارة، حركة رؤوس الأموال عبر الحدود، تعاقدات نقل التكنولوجيا، انتقال العمالة الفنية والماهرة عبر الحدود، وتعاقدات نقل المعارف وتصاريح براءات الاختراع) – سوف تؤدي إلى تسارع ضعف سيطرة الدولار على مراحل، وقد يتوازى ذلك – بدافع الخوف والتحوط والشكوك – مع زيادة حصة اليوان كعملة دفع دولية في التجارة الدولية، لاسيما التجارة البينية الصينية (بحسب صحيفة «غلوبال تايمز» الصينية، فقد انضم ما مجموعه 85 دولة إلى عملية إزالة الدولار بطرق مختلفة). كما اتجه عدد من الدول لتجاوز الدولار الأمريكي وإنشاء أنظمة تسوية بالعملات المحلية الثنائية أو أنظمة تسوية بالعملات الإقليمية. لذلك هناك من يعتقد بأن اتجاه نزع الدولرة سيصبح أكثر وضوحاً في المستقبل للسببين الرئيسيين التاليين: «صعود الشرق وانحدار الغرب»، الذي صار يميز الاتجاه التنموي للاقتصاد العالمي، متجسداً في انخفاض نسبة الاقتصاد الأمريكي في الاقتصاد العالمي؛ وذلك اعتباراً بأن القوة الاقتصادية هي أساس المكانة الدولية للعملة. وثانياً، تغير القواعد العالمية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة، التي نحت نحو الحفاظ على هيمنتها على حساب تعزيز تنمية الاقتصاد العالمي، ما أنتج المخاوف العالمية المتنامية بشأن هيمنة الدولار.

مع ذلك، فإن تدويل اليوان ليس بديلاً مباشراً لفك الدولرة، إنما تطور نزع الدولرة يعتبره الصينيون، وهو ما لا تخفيه وسائطهم الإعلامية الرسمية، فرصة لتوسيع نطاق تدويل اليوان. فالصينيون يرون أنه بدافع الخوف من هيمنة الدولار الأمريكي والشكوك حول مصداقية الدولار الأمريكي، ستعمل البلدان تدريجياً على تعزيز عملية إزالة الدولرة، وبالتالي تغيير الوضع الذي يهيمن فيه الدولار الأمريكي على النظام النقدي الدولي، ويتجه العالم، عوضاً عن ذلك، نحو نهج متنوع في النظام النقدي الدولي.

في إرهاصات هذه العملية، سيتحول الطلب على الدولار في مختلف البلدان تدريجياً إلى العملات الأخرى، ما سيؤدي لارتفاع الطلب على الاستخدام الدولي لليوان الذي يتمتع بأساس متين للمعاملات الاقتصادية الدولية، وبالتالي تعزيز تدويل اليوان؛ وذلك نظراً لأن التجارة السلعية الصينية التي تغطي كافة بلدان العالم تقريباً، تضطلع بنسبة 14.7% من إجمالي الصادرات العالمية، بسيطرة عالمية ثابتة للعام الرابع عشر على التوالي. وتبدو الصين في عجلة من أمرها لاستثمار اللحظة التاريخية – كما تحض على ذلك بعض الأوساط البحثية والإعلامية الصينية – حيث تنشط لإبرام اتفاقيات اقتصادية استراتيجية مع مجموعة من البلدان المهمة في الجنوب العالمي الصاعد؛ إذ تحاول الصين الافتكاك من محاولة واشنطن إشغالها جيوسياسياً، لتركيز بعض جهودها في الجوانب المتعلقة بتسريع عملية تعزيز الانفتاح والتعاون رفيعي المستوى مع هذه الدول، بما يوفر المزيد من سيناريوهات التطبيق لتدويل اليوان، والاستمرار في تنفيذ سياسة نقدية حكيمة تمكن الصين من الحفاظ على استقرار سعر صرف اليوان. ويمكن أن نرى قريباً أعمال ترويج نشطة لتشكيل أسواق اليوان المحلية والخارجية وتطويرها كشرط مهم وأساسي لتطوير تدويل اليوان.

سوف يبقى الدولار، عملة الاحتياط وأداة الدفع الدولية الأولى في العالم على المدى المتوسط، أي حتى 3-5 سنوات على الأقل، ما لم تحدث انعطافة نوعية في صراع القطبين، الدولار واليوان، نتيجة لعوامل جيوسياسية أسرع تأثيراً من عوامل الأساسيات الاقتصادية التي تعمل – ببطء – لفك الدولرة وزيادة وزن اليوان؛ مع وجوب التشديد ها هنا على أن موجة إزالة الدولرة الجماعية تشي بتطورات غير مرئية.

*خبير اقتصادي بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8dz77s

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"