بين الإنسانية والنسيان

00:01 صباحا
قراءة دقيقتين

هل حقاً نحن بحاجة إلى يوم يُذكّرنا بإنسانيتنا؟ ألا يعد تخصيص يوم واحد في العام لقضية إنسانية نبيلة وملحة، مثل قضية اللاجئين، انتقاصاً من حجمها وأهميتها، وتأطيراً موسمياً للمشاعر الإنسانية؟ هذه الأسئلة والكثير غيرها في السياق ذاته، تخطر على بال الكثيرين عند اقتراب المناسبات التي خصصتها الهيئات والمنظمات الدولية للتذكير بقضايانا المهمة.
وبطبيعة الحال، هذه أسئلة مشروعة ودافعها نبيل، هدفها الحرص على أن يكون في كل يوم مكان للمشاعر الإنسانية التي تبرر وجودنا كبشر، ومكان للفعل الإنساني الذي يخفف معاناة المحتاجين وضحايا الظروف الصعبة، لكن لنكن صريحين مع أنفسنا ونقول: نعم نحن بحاجة إلى هذه المناسبات والأيام السنوية لأننا ننسى، هذه هي طبيعة البشر، النسيان سمة وليس عيباً، ننشغل بحياتنا اليومية، تمر الأيام والأسابيع والشهور وكأنها أيام قليلة، وإذا خطر على بالنا واجب علينا القيام به تجاه الآخرين، نؤجل ونقول غداً، ليمتد الغد أكثر مما نريد.
وفي حساباتنا الخاصة، قد تكون الأوقات التي نسينا فيها أنفسنا وواجباتنا، عادية ومحمولة، ولكن هل هي كذلك فعلاً بالنسبة إلى اللاجئين أو ضحايا الكوارث والنكبات والصراعات؟ بالطبع لا، هنا يتجسد مفهوم نسبية الزمن، فهو قصير وسريع جداً لمن يعيشون حياة عادية، لكنه طويل وصعب ومليء بالألم لمن يعيشون معاناة صعبة، لمن تشكّل الاحتياجات اليومية البسيطة بالنسبة إليهم تحدياً وقلقاً، لمن لا يستطيعون توقع ما سيحدث لهم بعد لحظات أو أيام، ولا يملكون إلا لحظتهم الراهنة.
لكن، فإن ما ينطبق من مشروعية النسيان على الأفراد العاديين، لا ينطبق على مؤسسات العمل الإنساني بشكل خاص، كما لا يمكن الاستمرار في تبرير النسيان والانشغال عن القضايا الإنسانية عند المؤسسات والهيئات ذات التخصصات المتنوعة، وحتى لو كانت غير مختصة بالعمل الإنساني، فالأولى أن يشكل العمل الإنساني جوهر وظيفتها وقلب رؤيتها، وأن تنشغل يومياً بتطوير البرامج والمشاريع التي تستجيب لتحديات الحالات الإنسانية حول العالم، والارتقاء بدورها التوعوي والتثقيفي، أما المؤسسات والهيئات والجهات الأخرى التي تتبنى مهمات وتخصصات مختلفة، فقد صار من الضروري أن تمنح العمل الإنساني مساحة كافية في برامجها ومشاريعها وخططها.
وفي يوم اللاجئ العالمي، نتمنى أن نرى هذا التوجه بشكل أكبر من المؤسسات الأكاديمية من مدارس وجامعات، لتخصِّص ضمن أنشطتها دروساً ومحاضرات ونشاطات للطلبة، تتناول قضايا اللاجئين وتبين معاناتهم.
وفي هذا العصر، بات النسيان عدواً للواجب، وبات الوقت تحدياً حقيقياً وحاسماً عندما يتعلق الأمر بالمحتاجين واللاجئين. وليكن يوم اللاجئ العالمي مناسبة لإدراج النشاطات والبرامج الإنسانية بشكل أسبوعي على الأقل في أجندات مهماتنا وحياتنا اليومية أفراداً ومؤسسات، هكذا لا يبقى النسيان عدواً للإنسانية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5888rn2p

عن الكاتب

مديرة مؤسسة القلب الكبير

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"