اختبار للديمقراطية الأمريكية

00:22 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناجى صادق شراب
الرئيس السابق دونالد ترامب، رغم أنه حكم لفترة رئاسية واحدة، إلا أنها كانت من أكثر فترات الرئاسة جدلاً وتأثيراً في بنية السياسة الأمريكية، الداخلية والخارجية، وتشكل مرحلة فارقة مهمة ما زالت تداعياتها قائمة، وقد تؤسس لمرحلة تحوّل على مستقبل الولايات المتحدة، من منظور تنامي الشعبوية والقومية البيضاء والتشكيك في نظام الانتخابات الأمريكية والاتهام بوقوع تزوير فيها، إضافة إلى الهجوم غير المسبوق على مبنى الكابيتول الذي يجسد الديمقراطية الأمريكية.

إن محاكمة الرئيس ترامب تمثل تحدياً، ليس على المستوى الشخصي، بل على مستوى الديمقراطية الأمريكية، وتشكل اختباراً حقيقياً للطرفين معاً.

سبعة وثلاثون تهمة، وهو عدد ليس بالقليل، توجه إلى الرئيس الأمريكي الذي أعلن براءته منها قبل أن يحاكم، واعتبرها مزيفه وغير حقيقية، وتشكل فساداً للنظام.

إن اتهام رئيس أمريكي سابق يعتبر تحدياً، واختباراً للديمقراطية، بعدما اتهم الحزب الديمقراطي بتزوير الانتخابات لمصلحة مرشحه، الرئيس جو بايدن. ومن مفارقات هذه المحاكمة أن التهم الموجهة إليه هي التهم نفسها التي يوجهها ترامب للنظام ذاته.

إن تهمة المغامرات النسائية الموجهة إلى ترامب ليست الأولى التي توجه إلى رؤساء أمريكيين، فمن قبله وُجهت تهم مماثلة إلى الرؤساء توماس جيفرسون، والكسندر هاملتون، ودوايت أيزنهاور، الذي كانت له قصة عشق بدأت في لندن، واستمرت في أمريكا أثناء تواجده في البيت الأبيض، إضافة ألى الرئيسين جون كيندي وبيل كلينتون. وهذا لا يمنع من وجود رؤساء لهم صفة الطهارة والالتزام، مثل رونالد ريغان، وجيمي كارتر.

الأبرز في التهم التي وجهها ترامب تتعلق بتزوير الانتخابات لأنها مرتبطة بالنظام نفسه الذي يختلف من ولاية إلى أخرى، وتحمل معنى التشكيك في النظام السياسي الأمريكي برمّته، باعتبار أن الانتخابات إحدى ركائز وأعمدة الديمقراطية، فلا ديمقراطية مع انتخابات مزورة ومشكك فيها. وهناك تهمة أخرى، وهي التعامل مع روسيا والتدخل في الانتخابات لمصلحة ترامب، في مقابل توجيه ترامب تهمة إلى هانتر، ابن الرئيس بايدن، بالتعامل مع الشركات الأوكرانية. وهذه إشكالية تتعلق بالتشكيك في نزاهة السلطة السياسية، إضافة إلى اتهام ترامب الاحتفاظ بوثائق سرية.

تشكل هذه المحاكمة والتهم الجنائية الموجهة للرئيس ترامب الذي قرر الترشيح للانتخابات الرئاسية عام 2024، إشكالية ديمقراطية كبيرة، قد تمتد تداعياتها لفترة طويلة، وتنال من بنية النظام السياسي نفسه.

فمن ناحية، هذه المحاكمة قد تترتب عليها مخاطر العنف السياسي وتحيز النظام القضائي الأمريكي. ومن ناحية أخرى قد تؤدي إلى زيادة احتمال العنف الداخلي من جانب الجماعات اليمينية المؤيدة للرئيس السابق، ما قد يحمل بذور التفكيك السياسي.

وهناك مخاطر من أن تؤدي المحاكمة إلى تشجيع ظاهرة انتشار السلاح بشكل كبير في يد الأمريكيين، وتزايد ظاهرة القتل التي طالت عدداً كبيراً على أسس عرقية ودينية. والذهاب للقول إن هذه الاتهامات الجنائية الهدف منها إخضاع المعارضة السياسة وإسكات صوتها، رغم أن المعارضة السياسية في إطارها الشرعي هي أحد أعمدة النظام الديمقراطي، ما قد يعني الإضرار بمبدأ تداول السلطة السياسية.

إن النظام السياسي الأمريكي ليس محصناً، أو لديه المناعة من هذا التوجه السياسي، واتهام الرئيس ترامب له بعد حزبي، لأن التهم تمس مكانة الحزب الجمهوري، وإمكانية فوزه في أي انتخابات قادمة على المستوى الفيدرالي، والولايات، ولذلك قد تتحول قضية ترامب إلى قضية الحزب بأكمله، وتبنّيه الدفاع عنه. ومع ذلك يبقى النظام الأمريكي أكثر عمقاً في قيمه الديمقراطية، إذ توجد قيود على قدرات المسؤولين الأمريكيين، واستهداف المنافسين، ولا يوجد أحد فوق القانون. وتبقى التداعيات في حالة اتهامه وإثبات التهم عليه، ما يعني سجن الرئيس ترامب في سابقة لم تحدث من قبل، مع ما قد يصاحبها من تداعيات عنف واحتجاجات شعبية شاملة، وما قد يصاحبها من دعوات للانفصال. أما في براءته، فإنه سوف يخرج كبطل شعبي وتزداد فرصه للفوز في الانتخابات، ما يعني أيضاً تنامي الفرص أمام الشعبوية والقومية البيضاء للتجذر. وهذه هي التحديات والإشكاليات التي تواجه الديمقراطية الأمريكية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ymnzkwnt

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"