عادي

بريطانيا.. استقال جونسون فهل يرحل المحافظون؟

23:29 مساء
قراءة 4 دقائق
رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون يتحدث أمام البرلمان في لندن

كتب - المحرر السياسي:

تعيش النخب السياسية في بريطانيا حالة من التخبط تزيد من قتامة الصورة المحيطة بأداء الحزبين الرئيسيين، حزب المحافظين الذي يمسك بزمام السلطة حالياً، وحزب العمال الذي يسعى لانتهاز فرصة سقوط زعامات خصمه وسقطاتهم المتتالية للفوز في الانتخابات التشريعية بعد نحو عام.

يتهم حزب العمال خصومه بأنهم أوصلوا للسلطة نماذج لا تليق بدولة مثل بريطانيا، ترجح مصالح الاقتصاد ممثلة في قطاع عام قوي، وإسكان ميسور الكلفة، وتوزيع عادل للدخل، على أولويات الثقافة والسياسة وما تمثله من القيم الأخلاقية.

وتستعر معارك المنافسة السياسية نتيجة الأوضاع الصعبة والتوترات الناجمة عن الحرب في أوكرانيا، وتبعاتها على الاقتصاد الأوروبي وسلاسل التوريد العالمية، وتداخلها مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وما تلاه من ركود نتج عن الإغلاقات التي فرضتها حالة الطوارئ إبان تفشي كورونا.

وقد كشفت استقالة بوريس جونسون المفاجئة من البرلمان البريطاني حجم الانقسامات العميقة داخل حزب المحافظين، قبل عام من الانتخابات التشريعية، لكن تقاعد رئيس الوزراء السابق من المشهد السياسي غير وارد فعلياً.

وفي بيان مطوّل، عزا جونسون استقالته إلى التحقيق البرلماني في فضيحة «بارتي غيت»، وهي الحفلات التي استضافها في مقرّ رئاسة الحكومة في انتهاك للقيود الصحية المتصلة بكورونا. وقد أكد في البيان أنّه ضحية «حملة تشهير»، موجهاً اللوم إلى خلَفه في رئاسة الحزب، ريشي سوناك.

وقد دان تقرير لجنة التحقيق البرلمانية جونسون بالكذب على البرلمان، عندما أكّد عدم التزامه القيود الصحية المتعلقة بكورونا. وصادق البرلمان البريطاني بأغلبية 354 نائباً ضد سبعة نواب على تقرير يدين جونسون بالكذب، ومنع دخوله إلى البرلمان.

«لن انسحب»

ورغم استقالته، فإنّ المسؤول السابق صاحب الشخصية القوية والمثيرة للجدل، لا يبدو عازماً على الانسحاب من الحياة السياسية. فقد قال عند إعلان مغادرته البرلمان عبارة: «على الأقلّ في الوقت الحالي».

وربما استقال الرجل من منصبه كعضو في البرلمان، لكنه أوضح أنه لا يرى في ذلك نهاية مسيرته السياسية. وأضاف أنّه لا ينوي التزام الصمت.

ويستبعد المراقبون غياب جونسون عن المشهد السياسي البريطاني، وهو يرى نفسه تحديداً في المكان الذي يحب أن يكون فيه. وهكذا يبقى محطّ الاهتمام، ويثير الفضول حول خطوته التالية، بينما يطارد شبحه ريشي سوناك، الذي لزم الصمت حتى الآن.

ومن الواضح أن هذه الاستقالة تُفاقم الصعوبات التي يواجهها رئيس الوزراء قبل عام من الانتخابات التشريعية. فبعد 13 عاماً في السلطة، لا يزال المحافظون يحصلون على أدنى مستويات التأييد الشعبي في استطلاعات الرأي، وقد انعكس ذلك في الهزائم التي تعرضوا لها في الانتخابات المحلية، مؤخراً.

ولا بد أن تؤدي استقالة جونسون تلقائياً إلى انتخابات فرعية في دائرته في شمال غرب لندن، حيث حصل على أغلبية لا تتجاوز بضعة آلاف من الأصوات. كما تبعت استقالة جونسون استقالة واحدة من أقرب حلفائه؛ وزيرة الثقافة السابقة نادين دوريس، بينما استقال نائب آخر يُدعى نايجل آدامز، ومن ثم ستكون هناك انتخابات محلية عالية الخطورة على الحزب في 3 دوائر انتخابية، أو أكثر، في حال توالت استقالات حلفاء جونسون.

وأوضحت صحيفة «الجارديان» أن حزب العمال لم يأل جهداً في استخدام الانتخابات الفرعية الوشيكة فى أوكسبريدج وساوث رويسليب لمطالبة مؤيديه بإسقاط مرشحي حزب المحافظين، وخاطب زعيم الحزب كير ستارمر، مؤيديه في رسالة بريد إلكتروني قائلاً: «كان بوريس جونسون يعتقد بأنه فوق القانون. لقد عامل الشعب البريطاني بازدراء واحتفل بينما كانت الأمة حزينة، لدى حزب العمال الآن فرصة لتحقيق نصر تاريخي. فرصة من شأنها أن ترسل رسالة حول نوع البلد الذي نريد أن نراه، حيث تكون اللباقة والاحترام مهمتان في سياستنا». وسلّط تقرير لصحيفة «دايلي إكسبرس» الضوء على سلسلة الهزائم التي يتعرض لها حزب المحافظين الذي يعيش حرباً داخل صفوفه، ما يعني، حسب الصحيفة، أن حكومة سوناك لن تستمر طويلاً.

فقد هاجم جونسون حكومة ريشي سوناك بعنف. وقال «عندما تركت منصبي، العام الماضي، لم تكن الحكومة تسجل سوى تراجع ببضع نقاط في استطلاعات الرأي. ولكن اليوم اتسعت هذه الهوة بشكل لافت. بعد سنوات قليلة فقط من الفوز بأكبر أغلبية خلال نحو نصف قرن، في إشارة إلى انتخابه في 2019، بات واضحاً أنّ هذه الأغلبية مهدّدة الآن. لا شك في أن حزبنا بحاجة ماسة إلى استعادة زخمه وإيمانه بما يمكن أن يفعله هذا البلد».

الدعوة لانتخابات مبكرة

في ظل هذه الفوضى طالب زعيم المعارضة البريطانية، بإجراء انتخابات عامة بعد استقالة ثلاثة نواب من حزب المحافظين من البرلمان.

وكشف آخر استطلاع للرأي في بريطانيا أجراه مركز «فوكالداتا»، أن حزب العمال البريطاني في طريقه لتحقيق نصر ساحق في الانتخابات العامة المقبلة، وقال الاستطلاع إن حزب كير ستارمر قد يفوز ب 470 مقعداً مقارنة ب129 مقعداً للمحافظين.

يذكر أن قرار إجراء انتخابات مبكرة من صلاحيات رئيس الوزراء، ولكن حتى وقت قريب لم يعد الأمر يقتصر على رئيس الوزراء. ففي 2011 تم تمرير قانون يلغي صلاحياته في الدعوة لانتخابات مبكرة وبدلا من ذلك وضعت هذه الصلاحية لدى مجلس العموم.

وبموجب ذلك، أصبح إجراء انتخابات مبكرة ممكناً فقط في ظل ظروف محددة، كأن يوافق ثلثا أعضاء البرلمان على هذه الخطوة.

وبعد فوزهم بانتخابات 2019 مرر المحافظون قانوناً جديداً يلغى التشريع السابق ويستعيد سلطة رئيس الوزراء في الدعوة إلى انتخابات، في الوقت الذي يراه مناسباً.

وقد تكون أسباب سقوط جونسون اللغز التاريخي الأكثر إثارة للاهتمام. صحيح أنه شكّل تحالفاً انتخابياً لم تظهر عليه علامات الاستدامة، ولكنه شكل تحدياً للآراء السياسية السائدة، وكان وحده قادراً على الحفاظ على تماسك ذلك التحالف. فهل نتج سقوطه عن الاضطراب الذي خلّفه «بريكست»، أم عن نظام سياسي مضطرب؟ الأيام المقبلة تحمل الجواب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4zvshmxj

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"