إحراق القرآن وحرية التعبير

00:33 صباحا
قراءة 3 دقائق
افتتاحية الخليج

ليست المرة الأولى التي يتم فيها إحراق نسخة من القرآن الكريم في السويد، لكنها المرة الأولى التي تسمح فيها السلطات السويدية بإذن من المحكمة بهذا الفعل المشين بزعم «حرية التعبير التي تكفلها البلاد».

 إذا كانت حرية التعبير والرأي حق أساسي من حقوق الإنسان وفقاً لنص المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إلا أن هذا الحق مقيد باحترام حرية الآخرين وآرائهم ومعتقداتهم، وإلا فإن حرية التعبير العشوائية، وخارج أي قيد، تتحول إلى اعتداء على حرية الإنسان، خصوصاً إذا كان التذرع بحرية الرأي هدفه إثارة الكراهية والتمييز والعداء والعنف، وهو أمر محظور بموجب القانون الدولي، والتصدي لخطاب الكراهية لا يعني مطلقاً تقييد، أو حظر حرية التعبير.

 لهذا، فإن السلطات السويدية تكون ارتكبت انتهاكاً صريحاً لمبدأ حرية التعبير عندما سمحت لزمرة من المتطرفين بتمزيق وإحراق نسخة من القرآن أمام مسجد ستوكهولم، في يوم عيد الأضحى المبارك، وهي بذلك تعتبر مُشاركة في عمل يعتبر تحريضاً على الكراهية، والإساءة إلى أحد الأديان السماوية الذي يعتنقه مليارا مسلم، يشكلون 25 في المئة من سكان المعمورة.

 ليست المرة الأولى التي يتم فيها ارتكاب مثل هذا الاعتداء على الدين الإسلامي في الدول الغربية، من خلال إحراق نسخ من القرآن الكريم، أو الإساءة إلى رسول المسلمين النبي محمد، صلى الله عليه وسلم. ففي سبتمبر/ أيلول عام 2000، نشرت مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية رسوماً كاريكاتيرية مسيئة للرسول الكريم، وفي إبريل/ نيسان 2021 نشر اليميني الهولندي المتطرف، خيرت فيلدرز، مقطع فيديو بعنوان «لا للإسلام.. لا لرمضان»، وفي إبريل/ نسيان 2022، ويناير/ كانون الثاني 2023، أقدم زعيم حزب «الخط المتشدد» الدنماركي، راسموس بالودان، بإحراق نسخ من القرآن الكريم، وكذلك فعل القس الأمريكي تيري جونز في عامي 2011 و2012.

 إن هذه الاعتداءات التي تستهدف الدين الإسلامي هي تعبير عما يكنّه تيار واسع من المتطرفين في الدول الغربية من حقد وكراهية تجاه المسلمين، ودينهم، كتعبير عن «إسلاموفوبيا» متأصلة لديهم نتيجة حقبة متعلقة بالهيمنة الأوروبية، وعقدة الشعور بالتفوق والاستعلاء التي تولد الجهل في عدم معرفة الآخر، ومعتقداته، وإيمانه. وبالتالي، فإن الإساءة إلى أي رمز ديني لا يعد سلوكاً ينم عن حرية، أو حضارة، بل ينم عن فقر حضاري، وأخلاقي، وديني.

 ولأن ما جرى في ستوكهولم، وغيرها، يؤجج مشاعر المسلمين حول العالم، ويثير مكامن الاستفزاز والحقد والتطرف والكراهية والعنصرية، فقد كانت ردود فعل الدول الإسلامية، وغيرها من الدول، تمثل رفضاً مطلقاً لهذا الاستفزاز المتعمد، إذ استدعت وزارة الخارجية الإماراتية سفيرة السويد لدى الدولة ليزلوت أندرسون وأبلغتها إحتجاج الإمارات واستنكارها الشديدين على سماح حكومة السويد لمتطرفين بحرق نسخة من القرآن الكريم ، مشددة على أهمية مراقبة خطاب الكراهية والعنصرية التي تؤثر سلباً على تحقيق الأمن والسلام، كما رفضت استخدام حرية التعبير كمسوغ لمثل هذه الأفعال الشنيعة.كما أدان الأمين العالم لمجلس التعاون الخليجي، نايف الحجرف، سماح السلطات السويدية لأحد المتطرفين بإحراق المصحف الشريف، وطالب الأزهر الشريف الدول الإسلامية «بمواقف جادة وموحدة تجاه انتهاكات حرق المصحف».

  ما جرى فعل يستفز مشاعر المسلمين، ويتنافى مع قيم الآخر ومعتقداته ومقدساته، وينسف كل جهود نشر قيم التسامح والاعتدال.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/vzdz4e6m

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"