قراءة جديدة لحقوق الإنسان

00:31 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

لم تكن حادثة حرق القرآن أمام مسجد ستوكهولم الكبير في السويد في أول أيام عيد الأضحى المبارك الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة. عبارة بسيطة وواضحة لغوياً، لكنها معقّدة وشديدة الغموض في عمقها وتداعياتها ومنابعها الدينية والسياسية والأخلاقية، فهي تتحدث عن زمن ماضٍ وزمنٍ سيأتي، والزمن هو الإنسان الذي فعل في الماضي وسيكرّر فعلته في المستقبل. ولا تعني هذه المقاربة أن الفعل لن يواجه بالإدانة والتنديد والتجريم، وهو رد فعل يوصف بأضعف الإيمان.

  قلنا إن العبارة مُعقّدة وشديدة الغموض لتعدّد التفسيرات والتأويلات، فحين ننعت الفعل بالتطرّف يصفه آخرون بحرية التعبير، وحين نشرح تداعياته بأنه يحرّض على العنف والكراهية، يشرحه الآخرون بممارسة حقٍ إنساني (فردي). لكن التعقيد حين يكون الحق مدعوماً من الجماعة، وهذه الجماعة تنادي بحقوق الإنسان ونلتقي معها في مجموعة من البنود، لكننا نختلف في بعضها، وقد يتجاوز الاختلاف حدود المعتقد نحو ترجمة الفكرة والمعتقد، هنا يتحول الحق إلى سببٍ للخلاف والاختلاف، وأدى هذا في ما مضى إلى حروب، ولا أدري إن كان سيؤدي إلى حروب أخرى قادمة. بمعنى أن الفرد، برعونته، وسوء استخدامه لحق من حقوقه، قد يقود الجماعة إلى أزمات مع الآخر.

  ويبدو أن مجلس الأمن أو الأمم المتحدة لم تلتئم يوماً، وخلال تاريخها، لمناقشة فعل، معقّد وغامض، كحرق القرآن من قبل فرد، لأنه، وفق حساباتهم، لن يهدّد الأمن والسلم الدوليين، وهو قصور في دراسة مآلات الفعل وتداعياته، وسوء تقدير للأمور، والحلول الممارسة والمقترحة آنياً وحالياً ومرحلياً، بإعلان مواقف تشجب وتستنكر من قبل الدول العظمى أو الدول غير المسلمة، هي مواقف تخديرية وليست حلولاً جذرية.

  هل نقول كلاماً كبيراً أو خيالياً كما قد يظن البعض؟ لا أعتقد، بل إنه كلام بسيط وواضح، في مواجهة الغامض والمعقّد. نحن نرمي بشكل واضح وصريح إلى إعادة تفسير مبادئ حقوق الإنسان التي أقرّتها الأمم المتحدة، وعلى وجه التحديد، حق حرّية التعبير عن الرأي، والتفريق بين التعبير اللفظي والآخر العملي، والتفريق بين اللغة المستخدمة في التعبير اللفظي، ما بين نابية وعلمية أو عقلانية أو مؤدبة أو خفيفة، أما التعبير العملي فليس له سوى مفهوم واحد، هو الإتيان بفعل مباشر وواضح ومحرّض وعدواني. 

ويجب في هذا الإطار، ومن قِبَل الأمم المتحدة على وجه التحديد، الالتفات إلى حقوق الإنسان في الإسلام، وحقوق الإنسان عند االشعوب ذات الأنظمة الليبرالية العلمانية. وفي هذا السياق، ندرك أن العلمانية لا تعني التحريض على الأديان وإنما القبول بها، وباختصار لا بد من إعادة قراءة حقوق الإنسان، ووضع ضوابط تكفلها قوانين محلية ودولية، تجرّم التطاول والاعتداء على حقوق الآخرين في المعتقد، لأن حرق القرآن بكل بساطة، يعني الاعتداء على حق المعتقد، وهو ما ترفضه مبادئ حقوق الإنسان التي تتبناها الأمم المتحدة.

  نحن ندرك، أن التطرّف لن ينتهي طالما وُجد الإنسان، لكن، لم يجتمع العالم أو لم يتوحّد في تاريخه قدْر توحده اليوم في مواجهة التطرّف، ووصلت أساليب المواجهة إلى استخدام السلاح للقضاء عليه. ونحن ندرك أيضاً أن السلاح لن يقضي على التطرف، فهو ليس فكرة قادمة من الفضاء، إنما من فكر جماعي، وإن تمظهر في سلوك فردي.

  لا يكفي أن يشجب العالم تساهل مملكة السويد، أو أي دولة أخرى، في عملية حرق القرآن، ولا تكفي المقاطعة مهما أخذت من أشكال، وعلى منظمة حقوق الإنسان والدول المنخرطة في عضويتها إعادة قراءة بنود حقوق الإنسان ووضع قوانين حاسمة لمواجهة السلوكيات الشاذة والمؤذية التي تعكّر صفو العلاقات بين الشعوب والدول.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n6cb25h

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"