التحول الكهربائي أكبر فرصة رأسمالية

21:39 مساء
قراءة 4 دقائق

خوسيه لازوين *

يشكل الانتقال إلى نظام الطاقة الكهربائية ثورة صناعية جديدة تتحرك بسرعة الثورة الرقمية. ويعكس السياق الجيوسياسي الحالي الأهمية الكبرى التي يمثلها التحول في مجال الطاقة في مجتمعاتنا اليوم.

تلعب الطاقة دوراً محورياً في التنمية البشرية. كما أن الحاجة إلى الحصول على إمدادات آمنة من الطاقة بتكلفة منخفضة هي ضرورة استراتيجية لمعظم الحكومات الوطنية، وجانب رئيسي من التنمية الاقتصادية، وجزء أساسي من أنماط حياة معظم الناس. ومن المعلوم أن النمو الاقتصادي مرتبط تاريخياً بارتفاع انبعاثات غازات الدفيئة. ويعود ذلك إلى أن 80% من استهلاكنا للطاقة يعتمد على الوقود الأحفوري الذي يتم الحصول عليه من خلال عمليات الاحتراق (حرق الوقود) التي تولد 73% من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية. وهذه الانبعاثات هي من العوامل الخارجية السلبية الأكثر إلحاحاً وتعقيداً والتي لم تقدر كلفتها بشكل مناسب من قبل الشركات والهيئات التنظيمية والمجتمع. والأسوأ من ذلك، أن تأثيرها متفاوت على الأشخاص الذين يعيشون في البلدان النامية، كما أنها تترك أثراً كبيراً على الأجيال القادمة.

ومع ذلك، فإن الابتكار التكنولوجي الذي هو وليد العمل السياسي، يقدم الآن حلولًا نظيفة للأسواق على نطاق واسع تكون في كثير من الأحيان أرخص من نظيراتها التي تعمل بالوقود الأحفوري. إن ما نراه اليوم هو أشبه بمواقف سابقة اختبرناها مع التحولات الأخرى التي تقودها التكنولوجيا. وتميل هذه التحولات إلى اتباع نمط نمو على شكل حرف «S» (أي نمو بطيء وإيجابي). ففي البداية، يحصل التغيير ببطء، ولكنه سرعان ما يزداد نمواً مع بدء الشركات في الاستثمار، ما يدفع إلى انخفاض التكاليف والنمو بسرعة.

بلغت التكنولوجيات النظيفة في إطار الطلب على الطاقة نقطة تحول في السياق الاجتماعي والاقتصادي. وينشأ هذا التحول عندما تتوفر الظروف الملائمة للتكنولوجيات أو الممارسات الجديدة التي تسمح لها بالتفوق على الممارسات القائمة من حيث التكلفة والوظائف وإمكانية الوصول. ولقد تم بالفعل الوصول إلى نقطة التحول في مجال النقل البري والتدفئة المنزلية في العديد من البلدان، ومن المتوقع أن تبلغ بلدان أخرى نقطة التحول قريباً. وبصورة مماثِلة، انخفضت أسعار الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بشكل حاد خلال العقد الماضي، مما أدى إلى أن الطاقة الشمسية أصبحت الآن أرخص مصدر للكهرباء في التاريخ. ومع توفر الكهرباء بتكلفة أرخص، بدأ الطلب على السيارات الكهربائية ومضخات الحرارة بالتزايد بشكل تدريجي.

ونتيجة لذلك، تحدث تغييرات سريعة على الطرقات. بلغت مبيعات السيارات الكهربائية أكثر من 10 ملايين سيارة في جميع أنحاء العالم في عام 2022، أي ما يقارب 13% من إجمالي مبيعات السيارات، مقارنة بِمليوني سيارة فقط في عام 2019 (2% فقط من مبيعات السيارات). ومع ذلك، يترتب على النمو في قطاع واحد، تداعيات كثيرة على مستوى النظام، خاصة من حيث التكلفة. على سبيل المثال، لقد أدّى تراجع تكلفة إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية (تراجع بنسبة 90% منذ عام 2010) إلى الاعتماد على البطاريات في شبكة الطاقة بشكلٍ كبير. وكذلك الأمر، مع تسارع مبيعات مضخات الحرارة المنزلية، يمكن توقع نفس حلقات التغذية المرتدة فيما يتعلق بتغذية الحرارة الصناعية بالطاقة الكهربائية.

سوف يؤدي التحول من الوقود الأحفوري غير المتجدد إلى المعادن الكهربائية «القابلة للتدوير بشكل لا متناهٍ» إلى إعادة تصميم كامل المشهد الجيوسياسي. وسيؤدي ذلك إلى إنشاء سلاسل توريد جديدة بالكامل ومجموعات جديدة من الخدمات للاستثمار في مجالات جديدة للطاقة الكهربائية ومعالجتها وتصنيعها وتركيبها وصيانتها، خاصة حيث يكون الطلب كبيراً. وعلى الرغم من أن هذا التحول سيخلق فرص عمل جديدة للقوى العاملة «الخضراء» ذات المهارات العالية، إلا أنه سيؤدي أيضاً إلى فقدان بعض الدول لهيمنتها على مشهد الطاقة الحالي. على سبيل المثال، في حين أن الشرق الأوسط أوالولايات المتحدة يعدوا من أكبر منتجي النفط في العالم، فقد برزت الصين كدولة رائدة بلا منازع في سلسلة توريد البطاريات. وفي مواجهة هذا الوضع، أقرت الولايات المتحدة أكبر مجموعة من التدابير المناخية المحلية على الإطلاق بموجب قانون الحد من التضخم (IRA)، من خلال تمويل سلسلة توريد البطاريات المحلية. وتنتهج أوروبا السياسة نفسها في هذا المجال.

في ضوء هذه الاتجاهات، يمكن القول إن محركات الاحتراق الداخلي قد أتمت مهمتها في مجال التنمية الاقتصادية. وكونها من المصادر الرئيسية لاستهلاك الوقود الأحفوري، فإن الاستخدام اليومي للوقود الأحفوري سيتراجع حتماً. إذا ألقينا نظرة على الاستثمارات نجد أنه في عام 2022، تجاوز الاستثمار العالمي في تكنولوجيا الطاقة المنخفضة الكربون قيمة تريليون دولار. وللمرة الأولى، يتم ضخ المزيد من رأس المال في مجالات الطاقة المتجددة بدلاً من النفط والغاز. وهذا يعني أن الطاقة المتجددة وشبكات طاقة الرياح والطاقة الشمسية وتخزين الطاقة تشكل الآن أكثر من 80% من إجمالي الاستثمارات في قطاع الطاقة. أما بالنسبة لبعض التكنولوجيات، تنمو الاستثمارات الآن بمعدلات تتوافق مع بلوغ صافي الانبعاثات العالمية صفراً بحلول عام 2050.

وعلى الرغم من المؤشرات الواضحة على إحراز التقدم، إلا أننا على يقين بأن الأسواق لا تزال غير قادرة على تقييم الفرص القادمة.

* محلل أول في مجال الاستدامة في «لومبارد أودييه»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yu288uaf

عن الكاتب

محلل أول في مجال الاستدامةفي «لومبارد أودييه»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"