إشكالية الواقع والاستشراف

00:30 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

الكتابة إن كانت فنية أو أدبية أو سياسية أو فلسفية هي حفر في التاريخ، ماضيه وحاضره واستشراف مستقبله، ونعتقد أن الكتابة الوصفية للواقع في الشعر والرواية والمقالة السياسية هي كتابة مقفلة ومحدودة الأفق، وبالتالي لن تكون مؤثرة ولن تثير جدلاً ونقاشاً، كونها تحكي المعروف والمألوف، مهما كان صعباً وغريباً ومؤلماً. ويُؤخذ على الكتّاب العرب في القرن الأخير مراوحتهم فكرياً وثقافياً وسياسياً وأدبياً في الجانب التنظيري، بحيث نادراً ما قدموا ما يثير انتباه الرأي العام الثقافي أو الفلسفي أو السياسي. فهل يعود ذلك إلى عدم استقرار المنطقة منذ أكثر من قرن حتى اليوم؟ ونعني الاستقرار السياسي والمجتمعي والاقتصادي. وهل لهذا الخفوت المعرفي الإنساني علاقة بسقف الكتابة الإبداعية والتنظيرية؟ والأخيرة تشمل السياسية والأدبية أيضا. أم أن استقلالية القرار العام تؤثر في السياق الثقافي، وتجعله تبعياً غير خلاّق.

نتأمل في العقود الثلاثة الماضية، لنكتشف أن ما أثار النقاش الفكري انطلق من الغرب، وإن كان بعض مثيريه لا ينحدرون من أصول غربية مثل فرانسيس فوكوياما صاحب كتاب «نهاية التاريخ»، فهو من أصول يابانية، حيث سيطرت نظرية نهاية التاريخ على نقاشات المفكرين وكتاب المقالات والأعمدة الصحفية، ما بين مؤيد ومعارض ومنتقد، فقد رأى فوكوياما في عمق نظريته نهاية الفلسفات والنظريات السياسية، بعد تشكل النظام العالمي الجديد، وسيطرة الديمقراطية الليبرالية في الغرب، ورأى أن الديمقراطية الليبرالية والليبرالية الرأسمالية هما الشكل الذي سيسود العالم، متجاهلاً أن العقل البشريّ خلاّق بلا حدود، والمجتمعات تتشظى دائماً وتبدع نظرياتها الجديدة. 

في السياق ذاته، برز كتاب «صراع الحضارات» للأمريكي صاموئيل هنتنغتون، الذي اعتقد أنه بعد انتهاء الحرب الباردة بين القطبين العملاقين، لن يكون هناك صراع عسكري، إنما صراع حضاري، أي ثقافي، وبالغ في طرحه حين قسّم العالم إلى ثماني حضارات من بينها الحضارة الإسلامية، ونسي، كما قال المفكر السوري برهان غليون، إنه لا يوجد حدّ فاصل بين الحضارات بسبب تداخلها وتفاعلها وتأثّرها وتأثيرها، ورغم ذلك، اعتقد البعض أن نظرية هنتنغتون موجّهة ضد العالم الإسلامي، ويبدو أن هذا البعض أصاب بعض الشيء، لأن ما حدث في ما بعد، من تصدير شكل محدّد للثقافة الإسلامية أبان ما سُمّي بالربيع العربي، شوّه الثقافة الإسلامية ومعتقدها، وأدرجها المتطرفون في الجانب الآخر في إطار الإرهاب.

وكي لا نكون جاحدين وجالدين لأنفسنا، وسيراً مع الآخرين في تمجيد تاريخنا، وهم محقّون في ذلك، فقد كان للثقافة الإسلامية العربية أكبر الأثر في الفتوحات العلمية، في الرياضيات والفلك والطب والملاحة والنظريات الاجتماعية، ويكفي أن نذكر ابن سينا والخوارزمي وابن خلدون وعلماء آخرين حتى نشعر بالزهو، وقد قام الغرب بتطوير ما أنتج علماؤنا ويعترفون بتراثهم وريادتهم في جامعاتهم العريقة.

إن ما نعنيه في هذه الكتابة السريعة المختصرة هو حالة الجمود التي تعتري ثقافتنا منذ قرون، وواصلت هذه السمة شيوعها حتى يومنا هذا، مع اعترافنا ببعض الشواهد المؤثرة سياسياً وأدبياً وعلمياً، لكنها لم تتحوّل إلى اتجاه عالمي، فهل الماكينة الإعلامية هي السبب، وهل سيطرة المحافظين على مجتمعاتنا هي السبب، حتى إننا ما زلنا نناقش الأصالة والمعاصرة، ونقف في وجه كل جديد على الصعيد الإبداعي على سبيل المثال، ويشمل هذا الصعيد الاتجاهات الفنية والثقافية، ورفض التجريب وتصنيفه بشكل قاس، سياسياً ودينياً. هل الأمّية الأبجدية تلعب دوراً في وجه التجديد، وتتلوها الأمية التكنولوجية والتقنية؟ وهل عجلة الإنتاج الشامل بشكل عام هي المسؤولة عن حالتنا الراهنة التي تحولنا فيها إلى متلقّين؟ هو موضوع غير محسوم، ومطروح للنقاش الهادئ والعلمي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yt7hh38y

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"