الأيام البريطانية الصعبة

04:11 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

لم تشهد بريطانيا أزمة سياسية كالتي تعيشها هذه الأيام منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فقد أوصلت أزمة «البريكست» المجتمع السياسي البريطاني إلى حالة من الانقسام، وصلت إلى حدّ تعليق عمل أعرق برلمان في العالم، مع الرفض المتكرر لأكثرية برلمانية طلب رئيس الوزراء بوريس جونسون إجراء انتخابات تشريعية مبكرة، وقد جاء تعليق أعمال البرلمان كإجراء احترازي لعرقلة محاولات رئيس الوزراء فرض انتخابات تشريعية، قد تمكّنه من الفوز بأغلبية، أو إجراء تحالف سياسي-برلماني، يتيح له تنفيذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حتى لو اقتضى الأمر أن يكون خروجها من دون اتفاق مع الاتحاد الأوروبي.
صفعات قوية تلقاها بوريس جونسون من حزبه، مع وقوف 21 نائباً من كتلة حزب المحافظين الذي يرأسه إلى جانب المعارضة الرافضة لإجراء الانتخابات المبكرة، وصوتوا ضد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق مسبق، واستقالة وزيرة العمل آمبر راد، بعد استقالة شقيقه جو جونسون الذي كان يتولى منصب وزير دولة، وهو ما يجعل موقف البيت الداخلي لحزب المحافظين في أزمة حادّة، تضع الحزب نفسه على المحك.
يواجه بوريس جونسون عقبة قانونية كبرى، تتمثل في سريان القانون الذي شرّعه البرلمان بتأجيل الطلاق مع بروكسل حتى عام 2020، ولا يمكن تجاوز هذا القانون إلا من خلال عملية معقدة، تحتاج بداية للطعن في القرار نفسه، وهو ما يتطلب إيجاد ثغرات قانونية، يعمل مساعدو جونسون حالياً على إيجادها، في ظل نفاد الوقت أمام بريطانيا، حيث إن آخر اتفاق توصلت إليه لندن مع بروكسل يقضي بخروج بريطانيا من الاتحاد في 31 أكتوبر/‏ تشرين الأول المقبل.
العقبة الأخرى في وجه جونسون هي أن عموم الموقف الأوروبي يميل مؤخراً نحو التصعيد تجاه لندن، خصوصاً من قبل أقوى دولتين في الاتحاد الأوروبي، ألمانيا وفرنسا، واللتين أبدتا امتعاضاً قوياً من إخفاق الساسة البريطانيين في التوصل لتوافق فيما بينهم على آلية الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، مع ظهور تحليلات اقتصادية متشائمة حول الآثار الاقتصادية والمالية، للخروج من دون اتفاق، على الاتحاد الأوروبي، لكن بدرجة أكبر على الاقتصاد البريطاني، وهو ما أكدته مؤسسات متخصصة في الشؤون الاقتصادية والمالية، والتي أظهرت شكوكاً في قدرة لندن على التعامل مع النتائج المترتبة على أي مغامرة في الانسحاب من دون اتفاق، خصوصاً في القطاعات الحيوية، مثل الغذاء والدواء والخدمات والنقل والمصارف، بالإضافة إلى خسائر فادحة ستطال الأسهم في بورصة لندن. أنظار الكثير من السياسيين البريطانيين تتوجه نحو البنك المركزي، وقدرته على حماية الجنيه الاسترليني في حال انتهاء المدة المحدّدة للخروج من الاتحاد الأوروبي، من دون أن تتوصل لندن وبروكسل إلى اتفاق شامل حول القضايا التجارية والمالية والاقتصادية، وحسم موضوع الحدود بين إيرلندا وبريطانيا.
لكن البنك المركزي، ومن خلال شهادة محافظه مارك كورني أمام البرلمان، أعاد الكرة إلى ملعب السياسيين، حيث قال «إنه من السهل تخيل سيناريو تكون فيه السياسة أكثر حسماً، وليس تساهلاً»، وهذه الشهادة هي بمثابة توضيح لمدى محدودية خيارات البنك المركزي، وأن ما عجز عنه السياسيون لا يمكن للمصرفيين حلّه، فالبنك المركزي يمكن أن يتحكم في أسعار الفائدة، لكنه لا يستطيع أن يتدخل في أوضاع السوق.
السيناريوهات تبدو قليلة أمام الأحزاب السياسية البريطانية، فالوصول إلى توافق بين حزبي العمال والمحافظين يعني أن يتخلى المحافظون عن فكرة خروج بريطانيا من الاتحاد بدون اتفاق، وهو أمر مستحيل في ظل وجود بوريس جونسون في رئاسة الحكومة.
هل عجزت المخيّلة البريطانية عن القفز من المركب الأوروبي من دون أن تغرق؟
البعض يعوّل على تاريخ بريطانيا السياسي، والبعض الآخر على ديمقراطيتها الراسخة، لكن كل هذا لم يمنع بعض المراقبين من الذهاب بتشاؤمهم إلى المقارنة مع أسوأ النماذج المعاصرة، متوقعين أن تعاني بريطانيا ما عانته الأرجنتين في نهاية الألفية الثانية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"