عادي

عام هجري جديد

23:28 مساء
قراءة دقيقتين
رغيد
رغيد جطل

رغيد جطل
كان من عادة العرب قديماً أن يؤرّخوا للأحداث بالمناسبات العظيمة، فكانوا يقولون: ولد فلان في عام كذا، أو قبل عام كذا، أو بعده بكذا سنة. فكلما كان الحدث عظيماً اتُّخذ تاريخاً لهم، ومن ذلك مثلاً أنه حينما أراد أبرهة الأشرم هدم الكعبة، سُمي ذلك العام «عام الفيل»؛ نسبة إلى الفيل الذي استعان به أبرهة لهدم الكعبة. وجرياً على عادة العرب اتخذ سيدنا عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، من هجرة سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، تاريخاً لبدايةٍ غيّرت مجرى التاريخ؛ إذ إن النبي، عليه الصلاة والسلام، بانتقاله من مكة المكرمة إلى يثرب التي نظّم أركانها، وأصلح بين أهلها، وضع أُسساً لدولة بدأت بيثرب التي ودّعت اسمها بمجرد أن وطئت قدما النبي ثراها، لتحمل اسم المدينة المنورة، ويصير لها دستور ينظّم علاقات المسلمين بعضهم ببعض، وينظم علاقات المسلمين بغيرهم من أهل الديانات الأخرى.

شكّلت الهجرة النبوية فارقاً كبيراً في دعوة النبي، عليه الصلاة والسلام؛ فقد اضطر بعد صبره وتحمّله أذى قريش على مدى ثلاث عشرة سنة إلى مغادرة بلده الذي طالما أحبه، وسار بين شعابه.

وعند الفراق طافت في مخيلته، صلى الله عليه وسلم، ذكريات ثلاث وخمسين سنة من عمره قضاها في مكة، فغلبته دموع الألم وهو يقول مخاطباً إياها: «واللَّهِ إنَّكِ لخيرُ أرضِ اللَّهِ وأحبُّ أرضِ اللَّهِ إليَّ ولولا أن أَهْلَكِ أخرَجوني منكِ ما خَرجتُ».

رحل عليه الصلاة والسلام إلى بلد ومجتمع جديدين، لكنه رحل بثقة وحسن ظن بأن الله سينصره، وسيُعز دينه حتى يسود أرض العرب وما حولها، ويتجلى ذلك في قوله لسراقة بن مالك الذي خرج طالباً إياه، طمعاً في ما أعدت قريش من عطايا لمن يأتيها بمحمد: «عد يا سراقة ولك سوارَيْ كسرى». وهو ملك فارس في ذلك الوقت.

تعلِّمنا الهجرة النبوية دروساً كثيرة، سأذكر منها خمسة دروس عداً لا حصراً: أولاً: المسلم لا يخون من ائتمنه حتى وإن كان عدوه؛ فالنبي ترك علياً في بيته حتى يرد الأمانات إلى أهلها. ثانياً: المؤمن لا يفقد الأمل بالله، سبحانه وتعالى؛ فإن أُغلق باب فهناك أبواب كثيرة، وما على العبد إلا السعي مسلماً أمره إلى الله. ثالثاً: المسلم دائم الظن الحسن بربه، وبأن الله لن يضيعه أبداً؛ فالنبي، عليه الصلاة والسلام، حينما كان في الغار علّم الصديق وعلّمنا جميعاً أن من كان الله معه فمن عليه ومن كان الله عليه فمن معه، يقول الله، عز وجل: (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا...) التوبة: 40. رابعاً: أن المسلم ينظّم علاقاته مع غيره كما أمر الله، سبحانه وتعالى، فلا إفراط ولا تفريط. وخامساً: أن المؤمن يصحب من يعينه على مصاعب الحياة ويشد من أزره.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yck9bf5m

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"